المرأة والثورات العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

جاءت الثورات العربية في مصر وتونس وليبيا، لتكشف عن الدور بالغ الأهمية الذي لعبته المرأة وما زالت في الثورات العربية المختلفة. بل إن المتأمل الآن لما يحدث في سوريا واليمن، يجد أن المرأة لا تختلف في حجم مشاركاتها عن الرجل بأي حال من الأحوال. ويلفت النظر في مشاركات المرأة، العديد من الجوانب التي يلزم عرضها وتفسيرها، لما لها من أهمية في سياق الهيمنة الذكورية المفروضة عليها في الكثير من البيئات العربية المحافظة.

لقد حملت الثورات العربية أجيالاً جديدة من الفتيات الشابات، اللاتي تربين في أحضان الحركات السياسية والجمعيات الأهلية، وبشكل خاص الناشطات في مجال حقوق المرأة والمدافعات عما تتعرض له قريناتهن من ظلم اجتماعي وسياسي وقيمي. فالنشأة الأولى لهؤلاء الفتيات، تمت في أحضان العمل المدني المؤسسي الموجه لحماية المرأة والدفاع عنها، وبشكل خاص النساء الفقيرات في المناطق الريفية، والعشوائيات في المناطق الحضرية المختلفة. وفيما بعد توسعت الرؤية بالنسبة لهؤلاء الشابات، بحيث أصبح الدفاع عن المرأة هو دفاع عن المجتمع ومتطلباته السياسية.

فقد أصبحت قضايا المرأة قضايا المجتمع، والعكس أيضاً صحيح. وهي مسألة على قدر كبير من الأهمية، من ناحية توسيع الرؤية لدى المرأة وإدراكها للمتطلبات الاجتماعية العامة. فالاقتصار فقط على الظلم الواقع على المرأة، دون ربطه بالسياقات المجتمعية العامة الشاملة، ينتقص من حقوقها كما ينتقص أيضاً من الفهم الشامل والكلي للظلم السياسي والاجتماعي الواقع على المواطنين ككل، بغض النظر عن السن والنوع والدين.

وإذا كانت هؤلاء الشابات قد لعبن دوراً كبيراً في تطوير العمل السياسي للمرأة والدخول بها إلى معترك المواجهة مع النظم السياسية الحاكمة، فإن هناك فئة أخرى وجهت أنشطتها مباشرة إلى العمل السياسي، من دون أن تربط ذلك بالمرأة، بقدر ما ربطته بالسياقات المجتمعية السياسية العامة. وهذه الفئات النسوية لم تكن جديدة على العمل السياسي، حيث خرجت من رحم الأحزاب السياسية المختلفة، بغض النظر عن تفاوت التأثير فيما بينها. واللافت للنظر هنا هو الفجوة الحادثة بين جيل الشابات والجيل الأقدم من النساء؛ فهناك فجوة فكرية كبيرة بين الجيلين، تصعب من إمكانيات التلاقي المشترك فيما بينهما. وهي مسألة تحتاج لنوع من النقاش العميق، وتحديد أولويات للعمل السياسي في ضوء التحولات الثورية الجديدة.

وبجانب هذين النوعين، ظهرت نوعية ثالثة ارتبطت بشكل كبير بالتيارات الإسلامية المختلفة، وهي نوعية لم تختبر العمل العام بشكله العلني، بسبب طبيعة التصورات الخاصة بالمرأة ضمن هذه الجماعات، وبشكل خاص بين التيارات السلفية المحافظة. إن هذه النوعية الثالثة، رغم أعدادها الهائلة اللافتة للنظر، إلا أنها لم تقدم إسهامات حقيقية في خدمة مجتمع ما بعد الثورة. وهي مسألة يحاول المجتمع الذكوري المرتبط بالتيارات الإسلامية إيجاد حلول لها، يراعي من خلالها التوافق مع أفكاره المحافظة وأيديولوجياته الرافضة لأدوار المرأة في المجتمع.

إن الأدوار التي قامت بها المرأة والتمظهرات المختلفة التي ظهرت من خلالها في الثورات العربية، تخلق العديد من التساؤلات حول الأدوار المتوقعة منها مستقبلًا، وبشكل خاص في ضوء سيطرة التيارات الإسلامية على كل الانتخابات التي جرت حتى الآن؛ في تونس ومصر والمغرب، وحول الأشكال الصراعية المختلفة التي سوف تنتجها هذه الهيمنة الإسلامية، بين النوعيات النسائية المختلفة.

خصوصاً في ظل وجود نسب كبيرة من النساء في الدول العربية، لا تقبل مقولات وتوجهات الجماعات الإسلامية، مثل: الموقف من عمل المرأة وخروجها خارج المنزل واختلاطها بالرجال. ويدور الحديث في مصر، على سبيل المثال، حول ظهور أجيال جديدة من شباب الإخوان، ترفض الانصياع لقيادات الجماعة ونظرتها المحافظة للمجتمع والعادات والتقاليد، ومن بين ذلك بالتأكيد النظرة للمرأة.

فهل نتوقع ظهور أجيال جديدة من بين شابات الجماعات الإسلامية، أكثر قدرة على مواجهة أفكار عواجيز هذه الجماعات نساءً ورجالًا، وأكثر قدرة على الانفتاح على التيارات الفكرية الأخرى والتفاعل معها، وتطوير رؤى مجتمعية نسوية جديدة من رحم الثورة والتغيير، وليس من رحم جمود الجماعات الإسلامية وهيمنتها الذكورية؟ ذلك ما سوف تفصح عنه الأيام المقبلة في مصر وتونس على وجه الخصوص، وذلك ما سوف يتأسس عليه واقع عربي جديد، ربما يكون قادراً من خلال شمال إفريقيا على أن يطلق أفكاراً جديدة للتنوير، قادرة على مواجهة الفكر العربي المحافظ في مناطق وسياقات أخرى.

Email