فيدرالية أم كونفيدرالية؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل فترة كان أحد القانونيين الكبار يناقشني بعد أن شاهد كتابي « الفيدرالية في الإمارات» وقبل أن يقرأه في فحوى شكل الدولة؛ كانت فكرته أنه يعتقد بأن دولة الإمارات العربية المتحدة ليست دولة فيدرالية بل هي دولة كونفيدرالية معللاً ذلك بالاستقلالية التي تتمتع بها الإمارات الأعضاء في الدولة الاتحادية في الكثير من المجالات. وكانت وجهة نظري مخالفة لما طرحه، ودعوته إلى أن يقرأ الكتاب لأنه يغطي الكثير من الجوانب المرتبطة بحال الفيدرالية في دولة الإمارات العربية المتحدة.

الأمر الذي شدني لمثل هذا الحديث وجعلني أتحمل ولو لدرجة مسئولية التعريف بشكل الدولة لكل من يبحث عن المعرفة أينما كان هو أنه وبعد أربعين سنة على قيام الدولة الاتحادية يوجد لدينا من يرى في شكل الدولة غير شكله القائم وبأنه ليس فيدراليا أو اتحاديا. لعل مثل هذه الشكوك التي يحملها البعض حول شكل الدولة إنما مردها غياب الاهتمام بالفيدرالية على مستوى نظامنا التعليمي الذي لم يركز في مناهجه على واقعنا الفيدرالي، وعلى مستوى مراكزنا وجامعاتنا البحثية التي لم تحمل على عاتقها مسئولية إجراء أبحاث ودراسات علمية للواقع الفيدرالي والكونفيدرالي وتطبيقاتها على حال دولة الإمارات العربية المتحدة. ففي الوقت الذي تهتم فيه دول العالم الفيدرالي بدراسة النظم الفيدرالية والتجارب المختلفة لها نقف نحن في دولة الإمارات العربية المتحدة بعيدين كل البعد عن مثل هذا الاتجاه الحيوي والهام والذي يرتبط ارتباطاً مباشراً بواقعنا. مثل هذا الغياب أو التغييب، إن صح التعبير، لمعرفة واقع الفيدرالية في الدولة فتح المجال أمام الكثيرين ليفسروا الأمور من منظورهم وبعيداً عن المنظور الفعلي لواقع الدولة، مما يخلق تداعيات سلبية.

إن الفيدرالية نظام من أنظمة الحكم له محاسنه وله مساوئه، ولكنه ما من شك أنه نظام ناجح في الممارسة القائمة في دولة الإمارات العربية المتحدة. وهو نظام ذو قبول عالمي، حيث يعيش نحو أربعين في المائة من سكان العالم تحت ظل أنظمة دول فيدرالية. والفيدرالية هي نظام حكم مرن حيث انه من بين الست والعشرين دولة التي تطبق الفيدرالية لا توجد دولتان تتشابهان في تطبيق الفيدرالية. فالكل يشترك في الأسس العامة للفيدرالية ولكنهم يختلفون فيما بينهم حول الجزئيات الأخرى الداخلة في مكونات النظام الفيدرالي. ومن هنا تبرز بعض الشكوك لدى البعض مثل صاحبنا القانوني عن شكل الدولة هل هو فيدرالي أم كونفيدرالي.

لقد نشأت دولة الإمارات العربية المتحدة على النظام الفيدرالي ولم تعرف غيره كمنظم لأطر الدولة. وقد حدد دستور الدولة العلاقة بين المركز والمحليات واختصاصات كل منهما. ولكن الصلاحيات التي خولت للمحليات جعلت البعض يعتقد أن هناك استقلالية للمحليات كبيرة يجعل النظام أقرب إلى الكونفيدرالية من الفيدرالية. وفي مثل هذا الأمر إجحاف للنظرية والممارسة الفيدرالية في دولة الإمارات العربية المتحدة. فالفيدرالية الإماراتية جاءت وفقاً لتنازل الإمارات الأعضاء عن العديد من صلاحياتها السيادية لصالح حكومة مركزية تتولى مهام التشريع والتنفيذ فيها. فالدفاع والخارجية والجنسية والنقد هي من الأمور السيادية التي إذا ما تنازلت عنها الدول بشكل كامل فإنها قد دخلت في ترتيبات فيدرالية، وهو الحاصل في دولة الإمارات العربية المتحدة بغض النظر عن إذا ما كانت الأمور الأخرى تظل في يد الإمارات أو المحليات المكونة للدولة الاتحادية. فالفيدرالية توزع الصلاحيات بين المركز والمحليات وفقاً لطبيعة كل دولة، ولكن من المفترض فيها أن تكون الأمور السيادية المرتبطة بالدفاع والخارجية والجنسية والنقد في يد الحكومة المركزية.

وإن كانت الحكومات المحلية قد تمتعت بصلاحيات في قطاعات عديدة منها التعليم والصحة والتي يفترض أن يقوم بها الاتحاد وفقاً لدستور الدولة فإن ذلك لا يؤثر على قوة ومتانة الدولة الاتحادية ولا يضعفها ولا يجعلها تتجه إلى الشكل الكونفيدرالي لأن مثل تلك القطاعات في الغالب تقوم بها المحليات وليست المركز في الممارسات الفيدرالية حول العالم. فلا يعني على الإطلاق أن حصول المحليات على صلاحيات التعليم والصحة والأمور الأخرى غير السيادية بأننا اتجهنا نحو الكونفيدرالية؛ بل بالعكس فإن الممارسات الفيدرالية العالمية تنظر إلى ضرورة عدم استئثار الاتحاد بمثل تلك القطاعات الحيوية لأنها بحاجة إلى تطوير وتقدم مستمر ومزيد من الاهتمام والتركيز كي تساهم في تنمية الإنسان أكثر من غيرها من القطاعات السيادية كالدفاع والخارجية والجنسية والنقد. فالبعد عن الروتين والتعقيدات الإدارية والعمل الغير إبداعي ضروري لمثل تلك القطاعات الغير سيادية، التي قد تتأثر بطبيعة عمل الحكومة المركزية الروتينية.

دولة الإمارات العربية المتحدة هي دولة فيدرالية وفقاً لمعايير التصنيفات الفيدرالية والكونفيدرالية، وإن كان البعض يستطيع أن يستخرج من تلك التصنيفات ما يمكن أن يعزز فكرته. إلا أن الأهم هو أننا في دولة الإمارات العربية المتحدة بحاجة إلى الاهتمام بالنظام الفيدرالي من خلال تكثيف العمل بدراسته وتحليل أوضاعه والعمل على تثقيف المجتمع بالنظام الفيدرالي لاسيما الممارس في الدولة، وقد يكون من المجدي أن يتم إنشاء مركز أو وحدة للدراسات الفيدرالية يتولى مهمة القيام بتلك المسئولية إيماناً بأن مصير الدولة مرتبط بنظامها الفيدرالي الذي يجب أن يولي الاهتمام الكبير في تعزيز دوره في حياة الإنسان.

Email