ميت رومني شر لا بد منه

ت + ت - الحجم الطبيعي

ترشيح ميت رومني لخوض سباق الرئاسة الأميركي يشبه إلى حد ما تناول زيت الخروع الذي تستخدمه الجدات. ويخاف الجمهوريون من فكرة تجرع هذا الدواء كريه المذاق، ولكنهم يقلقون من أنهم سيضطرون إلى ذلك إن عاجلًا أو آجلًا.

واستناداً إلى أي مقياس سياسي منطقي، فإن حاكم ماساشوستش السابق يعد مرشحاً مثالياً للرئاسة. فهو شخص حازم يتمتع بلياقة بدنية جيدة، ومثقف، كما يعرف جميع أنواع الحقائق والأرقام، وتظهر عليه سيماء الرؤساء التنفيذيين رفيعي المستوى.

ولو كان الوقت مختلفاً، لبدا تكنوقراطياً واسع الاطلاع، مثل رومني مرشح الأحلام. ومع ذلك، فإنه في إطار التحضير للانتخابات المقبلة، لم يعد الشعب الأميركي مفتوناً ألبتة بمن يسمون خبراء واشنطن، مثل وزير الطاقة ستيفن تشو ووزير الخزانة تيموثي غيثنر ووزير العدل إريك هولدر، وعلى نحو متزايد الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسه.

وبصفته حاكماً سابقاً ومرشحاً للرئاسة، فقد تم فحص رومني فحصاً تاماً. وفي ظل هذه الأوقات التي تفتقر إلى الاحتشام، فإن المورمونية تعتبر ضماناً لاستقامة ماضي مرشح ما أكثر من كونها عبئاً سياسياً. وبالتالي فإن هناك احتمالاً ضئيلاً بأنه في أواخر أكتوبر من عام 2012 ستظهر امرأة شقراء من ماضي رومني لتوجه له تهمة ما، أو أن صحيفة «نيويورك تايمز» ستكشف النقاب عن تهمة قديمة تتعلق بالقيادة تحت تأثير الكحول.

وتعتقد المؤسسة الجمهورية الحذرة بأن رومني يملك ما يكفي من الجاذبية للوصول إلى المستقلين والفوز على أوباما المترنح. وهي لا تزال تراودها كوابيس عن مرشحتي حزب الشاي شارون أنغل وكريستين أودونيل، اللتين أدت انتصاراتهما الأولية في عام 2010 إلى حملات تفتقر للكفاءة، وإلى خسارة الجمهوريين في الانتخابات العامة في كل من نيفادا وديلاوير.

وعلى الرغم من أن المحافظين يصفون رومني بالمتقلب، نظراً لأنه غير موقفه من الإجهاض ومراقبة الأسلحة والرعاية الصحية، فإن قاعدة الناخبين عرفوا بكل تلك التقلبات القديمة في عام 2008، حين أشادوا برومني باعتباره البديل المحافظ الوحيد لجون ماكين المستقل والمعتدل.

وفيما يبدو فإن الحزب انتقل إلى اليمين منذ ذلك الحين. ويقلق أعضاء الشاي من أن رومني المعتدل، بمجرد استلامه مقاليد الرئاسة، سيثبت أنه وسطي ينفق الأموال المقترضة، كما فعل الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، على برنامج «ما من طفل سيتعرض للإهمال»، أو المساعدات المقدمة من برنامج «ميديكير» في ما يخص تكاليف أدوية الوصفات الطبية، ويعمل بالتالي على تدمير سمة الرصانة، التي طالما ميزت الجمهوريين والمشكوك في أمرها الآن، تدميراً أبدياً.

ونتيجة لتلك المخاوف، فقد أصبح رومني بمثابة مرشح عملية الإقصاء. حيث عمد حاكم إنديانا ميتش دانيالز الشبيه بــ«هاملت» إلى التفكير مطولاً ومن ثم الانسحاب، كما توقع الجميع. في حين ارتأى كل من رودي جولياني وسارة بالين الجذابين والمثيرين للجدل أن المال الذي يجنيانه يغنيهما عن خوض سباق سياسي بغيض آخر.

وإذا كان القطب دونالد ترامب، الذي يوجه الاتهامات، مستعداً للمراهنة بحملته على تردد أوباما في الكشف عن بعض الوثائق الرسمية، فكان حرياً به أن يطالب بالإفراج عن كشف علامات الرئيس في الجامعة وسجلاته الطبية السرية على نحو غامض، بدلاً من شهادة ميلاده. وخلال المناقشات، راق للجمهور ما قاله السناتور السابق ريك سانتورم، ولكنه لم يأسف إلا على حقيقة أن ذلك الكلام صدر عنه هو نفسه.

أما النائبة ميشيل باكمان فقد برزت في وقت من الأوقات باعتبارها مناهضة لرومني، ومن ثم تراجعت بشدة عندما بدت معظم تصريحاتها شجاعة وملهمة، وبدت التصريحات المتبقية غريبة نوعاً ما.

ومن ثم جاء البديل الواعد المناهض لرومني والموفر لفرص العمل ريك بيري حاكم ولاية تكساس. وقد بدا رئاسياً كرومني، ولكنه سرعان ما أثبت أنه أكثر جموداً في المناقشات. وقد تفاقمت لحظات «جمود الدماغ» التي يتعرض لها نتيجة للتفسيرات البلهاء التي كان يقدمها بين الحين والآخر، والتي بدت بعيدة كل البعد عن روح تكساس.

ولطالما كان حاكم ولاية نيو جيرسي كريس كريستي وسناتور فلوريدا ماركو روبيو المفضلين لدى الحشود، وهما بالتأكيد محافظان نشيطان. ومع ذلك، فهما في مرحلة من المراحل أدركا أن سنواتهما القليلة في البيت الأبيض ستكون قابلة للمقارنة، من الناحية النظرية، مع خبرة أوباما الضئيلة حين استلم مقاليد الحكم.

وقد كان حديث النائب رون بول المدوي حول الرصانة المالية منعشاً بقدر ما كانت سياسته الخارجية الانعزالية العائدة إلى ثلاثينات القرن الماضي مخيفة. ويعد حاكم ولاية يوتاه السابق جون هانتسمان أشبه بالنسخة الضعيفة من رومني، وذلك لأنه يثير المفارقة نفسها، وهي أن المال والمظهر والكياسة والاعتدال تشكل في العام الجاري مدعاة للاشتباه، لا للطمأنينة.

ويحبذ عدد كبير من الأميركيين براغماتية رجل الأعمال هيرمان كين الصريحة. ومع ذلك، فإن عدداً أكبر منهم يقلق من أنه قد لا يعرف أن الصين قوة نووية، أو أن أميركا انضمت أخيراً إلى البريطانيين والفرنسيين في قصف ليبيا. وحتى الآن.

فإن نيوت غينغريتش، الرئيس السابق لمجلس النواب الأميركي، يعرف كل شيء تقريبا عن كل شيء. ولكن الكثير من مواقفه الأصلية، التي تخلى عنها الآن، كانت تضاهي في ليبراليتها مواقف رومني. ولم يمر وقت طويل منذ أن بدا لامعاً وسطحياً، ومدمراً لذاته على نحو متهور، كمعاصره وغريمه الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون.

للتغلب على الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي غدا أضعف من أي وقت مضى، فإن الجمهوريين يستمرون في الرجوع إلى شخص يشبه رومني، الذي تكمن نقاط قوته في المجالات التي يعد فيها اوباما ضعيفاً بشكل واضح، وهي الخبرة التنفيذية كحاكم، والنجاح في القطاع الخاص والعلاقة الحميمة معه، والماضي الممحص بالكامل، والإيمان الذي لا لبس فيه بتاريخ ومستقبل الولايات المتحدة الاستثنائيين.

وباختصار، فاذا كان الجمهوريون سعداء من الناحية النظرية بأن ميت رومني قد يتغلب على أوباما، فهم يبدون في الواقع غير سعداء بدرجة موازية بأنهم سيضطرون إلى ترشيحه أولاً.

 

Email