هل يطمع العسكر في حكم مصر؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا حديث يدور في مصر الآن سوى عما تخبئه الأيام المقبلة للمصريين. هناك حالة من التوتر العام يلاحظها المرء في أحاديث المصريين وممارساتهم اليومية، بما يجعل المواطن العادي يشعر بعدم الاستقرار وضعف التوقع وضبابية الأوضاع. وفي هذا السياق تزداد حالة الانفلات الأمني، بما يصاحبها من تركيز صحافي وإعلامي غير مسبوق عليها. كما يزداد طرح التساؤلات التي يتداولها المصريون كل يوم، والتي يأتي على رأسها ما إذا كان المجلس العسكري سوف يترك الحكم أم لا؟ وماذا سوف يفعل الإخوان ومعهم السلفيون إذا ما وصلوا لسدة الحكم في مصر؟

وتبدو الإجابة عن التساؤلات السابقة محكومة بقبضة المجلس العسكري ونواياه غير المعلنة لمآل الأوضاع، رغم التأكيدات الكثيرة التي تصدر عنه بأنه غير راغب في السلطة، ويتلهف لتركها اليوم قبل الغد. ورغم ذلك فإن هناك جوانب كثيرة تصب في عكس ما هو معلن من قبل المجلس العسكري، تأتي في الصدارة منها السلبيات الهائلة لحكومة الدكتور شرف، رغم أنها الأداة التنفيذية الحالية للمجلس العسكري، والتي كثيراً ما تتحمل العديد من الاتهامات الموجهة لها في ظل حالة الصمت المريبة التي تنتاب هذا المجلس. وهو ما جعل هذه الحكومة تبدو منذ بداياتها وحتى الآن، ككبش فداء لنوايا وتوجهات ورغبات المجلس غير المعلنة.

كما أن هذه الحكومة تتحمل وزر الوثيقة الدستورية التي أعلن عنها الدكتور علي السلمي، بما تقدمه من تأبيد لسلطة العسكر بحيث تتحول لقوة فوق مجتمعية بقوة الدستور، وبما يضمن عدم محاسبتها مستقبلًا. والشيء الغريب أن حكومة شرف بإصدار هذه الوثيقة تدافع عن المجلس العسكري، وكأنها مجرد أداة من أدواته التنفيذية، وبشكل يبتعد بها تماماً عن توجهات ثورة يناير التي أتت بهذه الوزارة للحكم.

اللافت للنظر في هذا السياق، أن حالة الانفلات الأمني تبدو أداة لترهيب الشعب المصري، بما يضمن في النهاية تمسك المواطن العادي بالمجلس والإقرار بأهميته، رغم أن الأخير يمكنه من خلال ما ينطوي عليه من قدرات، أن يفرض الحالة الأمنية في كافة ربوع مصر في غضون أيام معدودة.

ومن الخطأ الشديد الآن أن تلعب أية قوة كائنة ما كانت على عامل الزمن في مصر، من أجل إخافة المصريين وجعلهم يتحسرون على النظام السابق. وذلك لأسباب عدة مهمة، يأتي في الصدارة منها أن الحالة المصرية الآن قد تغيرت تماماً عما كانت عليه في ظل النظام السابق، سواء من قبل المواطن العادي أو من قبل التكتلات السياسية الجديدة. فالوضع في مصر قد تغير بشكل كبير، بغض النظر عن تدهور الواقع الاقتصادي والأمني الحالي، وما كان عليه الحال قبل الخامس والعشرين من يناير لم يعد له وجود على مستوى المزاج المصري العام. صحيح أنه لا يمكن تغيير الشعوب دفعة واحدة، لكن المصريين الآن في حال غير ما كانوا عليها في السابق.

إن هذه التغيرات، رغم ما يصاحبها من سلبيات غير مسبوقة، لا يمكن تجاهلها من أية قوة، سواء أكانت مجلساً عسكرياً أم قوة إسلامية صاعدة أو غيرها من تيارات سياسية أخرى جديدة. فحالة القمع المرتبطة بالنظام السابق، لا يمكن السكوت أمامها الآن في ظل صعود أية قوة عسكرية أو سياسية جديدة.

وإذا كان المصريون بشكل عام يبجلون الجيش المصري بما له من مكانة سامية في نفوسهم، فإنهم لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يرتضوا بعودة جديدة لحكم العسكر، والالتزام بأوامره ونواهيه. فالشعب الذي استطاع أن يسقط الرئيس السابق، لن تقف أمامه أية قوى أخرى، بغض النظر عن مكانة أشخاصها، وبغض النظر عما يمكن أن تلوح به من بطش في وجه هذا الشعب.

المطلوب الآن أن يقوم المجلس العسكري على وجه السرعة بفرض أمين ونزيه للأمن على الساحة المصرية من ناحية، وأن يقوم بتحديد جديد لمواعيد الانتخابات الرئاسية في أقرب وقت ممكن من ناحية أخرى. هذان الإجراءان يضمنان للمجلس عوداً حميداً لقلب الشعب المصري، الذي أصابته الفرحة الغامرة لحماية الجيش لثورته، وضمان أمن المصريين في أعقابها، وهي مسألة ربما لم نشهدها في الكثير من الثورات العربية التالية على الثورة المصرية.

ولعل هذا هو ما يطمئن المصريين ويؤكد مصداقية بيانات المجلس العسكري بعدم الرغبة في السلطة، والعودة لجهود التنمية والحفاظ على حدود مصر الواسعة.

 

Email