العراق وربيـع التغيير

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتبر العراق من أكثر الدول حاجة ماسة لتغيير الأوضاع السائدة فيه. على مختلف الأصعدة وفي كافة الاتجاهات، هنالك بؤس يفوق بقية الدول التي يطرق ربيع التغيير أبوابها. زاد شقاء العراقيين بعد قدوم الاحتلال إليه، مصحوباً بمجموعة من السياسيين المثيرين للجدل. جدل يُثار حول اتفاقهم واختلافهم ومفارقاتهم، وأساليب عملهم وطموحاتهم.

بدأ العراق بالحكم العسكري، تلته إدارة مدنية ماكرة فاسدة، ومجموعة من أساليب الحكم الجماعي والفردي. استقر به الحكم على النمط الذي يحتل فيه الرئيس صورة شبه جامدة، مع بعض الصلاحيات. بقية الصلاحيات ذهبت إلى رئيس الوزراء، الذي من السهولة بمكان عليه أن يتحول إلى دكتاتور، يأمر ليُطاع بلا منازع. لذلك، وخاصة في أوضاع مضطربة، يحتاج تصريف أمور الدولة لقبضة حديدية، عادة ما يتمتع بها دكتاتور، أو شخص قوي في الحكم.

على الرغم من حاجة العراق الماسة للتغيير بهدف التخلص من الاحتلال وتبعاته، إلا أن الاستجابة الشعبية لمطالب التغيير ما زالت خجولة. في الوقت الذي حركت البطالة وسوء الأحوال الاقتصادية الانتفاضات الشعبية في عدة دول عربية، لم يحدث ذلك في العراق. البلد يعاني الويلات بسبب البطالة وانعدام الخدمات وانهيار البنية التحتية بشكل مضاعف، مقارنة مع الشعوب المنتفضة في وجوه الأنظمة. كل فرد عراقي في الداخل والخارج، أخذ نصيبه من الحيف والويلات، وبشكل ساحق ماحق.

حرّك الشعور الديني الانتفاضات في الدول المختلفة. تركزت المظاهرات عقب صلوات أيام الجمعة، فيها تتكون الحشود المتظاهرة بسهولة في حال شبه شلل ليد السلطة في التدخل. لم يحدث ذلك بشكل مناسب في العراق، بسبب انتشار الفكر الطائفي وتعميقه، وجعله الأساس في التعامل مع الواقع. استُغلت الفروق الطائفية لصالح فئات من القادة، استفادت من قدوم الاحتلال.

 لكن حتى العراقي العادي، أو ضعيف التثقيف، وصل إلى قناعة بأن الحكام الجدد لا يمكن أن يأخذوا بيده إلى بر الأمان السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي، وحتى الروحي. على العكس من ذلك ينتشر الفساد والانحطاط في مستويات الأداء بشكل غير مسبوق. الآن يستحيل على الشعب تكوين وحدة وطنية حقيقية بين أقطاب طائفيين لحد عميق، إن لم يُقل حتى النخاع.

على المرجعيات الدينية الطائفية والعرقية، التي ظهرت إلى السطح أو العلن بعد الاحتلال، أن تدرك أن الاحتلال لم يأت لخدمة العراق. على العكس من ذلك، فإن تجارب سيطرة الفكر الديني الطائفي على الحكم، يجعل من الأمور غاية في الاقتتال وعدم الاستقرار. الأمثلة على ذلك كثيرة؛ منها ما حدث فعلاً في أفغانستان وإيران وتركيا وحتى إسرائيل، ومنها ما هو مفترَض ثمة لم يحدث بعد، في تونس ومصر وليبيا، وسوريا على الطريق! ذلك ما يقتضي من تلك المرجعيات، أن تراجع أنفسها بواقعية وجرأة وشجاعة، غير عادية. عليها أن تعلن حيادها على الأقل، وأن تخرج من العملية السياسية التي لم تأت للشعب العراقي ولو بشيء واحد أفضل من الدكتاتورية السابقة.

العراق مقبل على الدخول في مفترق طرق، حيث قوات الاحتلال تستعد للانسحاب النهائي والهرب من المستنقع العراقي. ما الذي يمكن للقيادات الطائفية فعله الآن وخلال وبُعيد، وما بعد انتهاء الاحتلال؟! الجواب هو؛ لا شيء تقريباً، فسياسة القبضة الحديدية والخطط الأمنية المختلفة التي تم تطبيقها، لم تستطع التقدم بالموقف في العراق قيد أنملة.

الاستمرار في إلقاء اللوم على شياطين قوى الظلام والفوضى والتخلف، بات من العقم والتضليل بمكان. لا بد للقوى الشعبية والوطنية والفكرية العراقية، أن تنهض من بين الركام وتثبت وجودها. عليها أن تأخذ الأمور على عاتقها، وأن تخوض تجربة كفاحية نضالية أصيلة متجذرة ومنبثقة من المجتمع بشكل حقيقي. لا يوجد ما يمكن أن يقف في طريقها؛ لا قوى الاحتلال، ولا سياسة حكومة أوجبت على نفسها أن لا تفارق المربع الأول من عملية سياسية وُلدت مشوهةً وعاقراً.

 

Email