السرقات العلمية في عالمنا العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يؤدي ضعف البنية التعليمية العربية، إلى سهولة الاقتباس من الآخرين والنقل من إنتاجهم العلمي، الذي يصل إلى حد السطو على فصول كاملة من أعمالهم، وقد يصل في أحيان أخر إلى السطو على العمل بأكمله.

وكثيراً ما نسمع عن تلك الفضائح التي تتواتر في كل ربوع منطقتنا العربية، ويكاد لا يخلو قطر عربي من هذه النوعية من السرقات، التي أصبحت مقبولة في الجامعات ومراكز البحوث العلمية، ناهيك عن الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية والشهرية.

ورغم الضجة التي تتواكب مع هذه الفضائح، خصوصاً إذا ما كانت تتعلق باسم شخصية كبيرة، سواء أكانت متهمة أو ضحية، فإنها لا تلبث أن تخفت حدتها وتتلاشى في ضوء التعايش والتكيف الغريب معها. وتعود هذه الظاهرة للكثير من العوامل، يأتي في الصدارة منها عدم اهتمام الجامعات العربية بها، رغم رائحتها التي تزكم الأنوف، ورغم الكثير من الشكاوى منها التي توجه لكلياتها المختلفة.

فالواضح أن البنيات الجامعية المهترئة، لم تعد تحتمل المزيد من الجرائم التي تُرتكب في رحابها وباسمها، فآثرت غض الطرف عن هذا النوع من الجرائم، خصوصاً في ظل ثقافة عربية تربط العقاب بقطع العيش وضياع المستقبل.

والواقع أن هذا النوع من الجرائم يمثل امتداداً للعديد من الجرائم الأخرى التي تُرتكب في رحاب الجامعات العربية، وعلى رأسها تدني المستوى التعليمي، وغياب الدور التنموي الخاص بها، ناهيك عن أشكال الفساد الأخرى المادية والمعنوية.

إضافة إلى ذلك، فإن البنية التعليمية، سواء في المدارس أو الجامعات، ما زالت تتعامل مع السرقات العلمية باستخفاف، حيث ترى فيها نوعاً من السهو والغفلة، خصوصاً في ظل مناخ علمي كرس فيه بعض الأساتذة أنفسهم هذا النوع من السرقات، عبر عقود طويلة من الزمن.

ومما يساعد على انتشار هذا النوع من الجرائم، ضعف البنية القانونية والتشريعية، وطول أمد التقاضي الذي يصيب البعض بالإحباط والنكوص عن الاستمرار في الحصول على الحقوق المسلوبة، خصوصاً إذا كان المتهم بالسرقة من ذوي الحظوة أو مارس ضغوطاً وعروضاً مادية على الطرف الآخر.

وفي هذا السياق تحتاج الدول العربية لجملة تشريعات جديدة واضحة وصارمة، تُجرم السرقات العلمية، وتقتص من المتهمين لصالح الضحايا، ولصالح مستقبل البحث العلمي في منطقتنا العربية.

وينتشر هذا النوع من السرقات على وجه الخصوص بين الحاصلين على درجتي الماجستير والدكتوراه، ربما أكثر بكثير مما يحدث بالنظر للمطبوعات الأخرى، وخصوصاً الكتب المنشورة. ويعود ذلك إلى أن الكثيرين يرغبون فقط في الحصول على الدرجة العلمية من أجل الترقي المهني، من دون الرغبة في نشرها أو الاستفادة العامة منها.

وهو أمر يدفع الكثيرين إلى السطو على بحوث الآخرين والنقل منها، دون خوف أو وجل من الكشف عن جرائمهم، على الأقل في القريب العاجل، في ظل مشرفين لا يقرأون شيئاً ولا يتابعون أعمال تلاميذهم.

وفي هذا السياق يمكن اتخاذ إجراءات عاجلة من قبل الجامعات العربية، تحتم على الطالب نشر عمله العلمي على موقع الجامعة، بحيث يصير متاحاً للقراء في كل بقاع الأرض، وهو أمر ربما يجعل الكثيرين يحتاطون من عملية السطو، خشية الفضيحة والملاحقة القانونية التي قد تصل لسحب العمل العلمي وعدم الاعتراف به.

ورغم إمكان استخدام الانترنت في الكشف عن هذه السرقات، فإن الانترنت ذاتها ساعدت على شيوع السرقات العلمية بشكل مخيف وواسع المدى. ففي ظل وجود العديد من المراجع والمقالات المختلفة على صفحات الانترنت، وإن بشكل غير كامل ومجتزأ، وفي بعض الأحيان مشوه، أصبحت عملية الاقتباس سهلة لا تكلف الأفراد سوى القص واللزق.

وهو أمر لم يعد منتشراً في الجامعات فقط، بل انتشر أيضاً في المدارس بكل مراحلها التعليمية، بشكل مَرضي إلى الحد الذي ينذر بقدوم جيل جديد لا يعرف من البحث العلمي والتفكير سوى القص واللزق عبر صفحات الانترنت. و

اللافت للنظر أيضاً أن المدارس لا تهتم بالتفكير الإبداعي للتلاميذ، كما لا تهتم أيضاً ببث القيم الأخلاقية بينهم، التي لا تجعلهم يقبلون بأن يصبحوا لصوصاً يسطون على أعمال الآخرين ومنتجاتهم الفكرية والعلمية.

يحتاج البحث العلمي العربي إلى إعادة هيكلة كاملة، تأتي في الصدارة منها المتابعة الأخلاقية للباحثين، وعدم التساهل تجاه السرقات العلمية وحقوق الآخرين. وهي جوانب على ما يبدو ترتبط بضرورة اتخاذ موقف حازم من الفساد الاقتصادي والسياسي بشكل عام، واتخاذ إجراءات رادعة تحقق العدل الاجتماعي والمساواة بين كل الشرائح الاجتماعية المختلفة بشكل خاص.

 

 

Email