سيناريو التجربة الليبية في سوريا

ت + ت - الحجم الطبيعي

تستمر الأوضاع الأمنية والسياسية في سوريا، بالتفاقم في اتجاه طريق مسدود. المعارضة والنظام الحاكم مسؤولان عن تأزم الأوضاع، وبنسب متغيرة بين الفينة والأخرى. من جهة يستمر النظام في اللجوء لاستعمال القبضة الحديدية للسيطرة على الأوضاع، في حين ترفض المعارضة السياسية قبول التهادن مع النظام، رغم كل الوعود والخطوات التي يقطعها. حقيقةً استُنفد جل أوراق الضغط من أيدي النظام لوقف الثورة الشعبية العارمة.

حصلت المعارضة على دعم وتأييد في الداخل ومن الخارج. ذلك ما يعطيها وقوداً للاستمرار لأجل غير مسمى. في المقابل، لم يبق لدى النظام الحاكم غير استعمال الأسلحة الثقيلة وسلاح الجو والبحرية، لوضع حد للثورة حسب رؤيته. نقل بعض وكالات الأنباء عن تحليق متكرر للطيران الحربي، وآخر للمروحيات فوق المدن، إلى جانب استعمال المدفعية الثقيلة والدبابات. هذا يماثل ما فعله النظام الليبي، لكن منذ باكورة الثورة الشعبية الليبية. ذلك ما حرّك حينها المبررات والحوافز الدولية، والغربية بالذات، مبكراً لتعجيل استعمال التفوق الجوي لحلف الأطلسي، للتدخل متذرعاً بحماية المدنيين المتظاهرين.

الوضع في سوريا مشابه لما جرى ويجري في ليبيا، مع بعض الاختلافات، الكبيرة والصغيرة. أول هذه الاختلافات هو حجم الترسانة العسكرية السورية، في مجالات البر والبحر والجو والقوة الاستراتيجية الصاروخية. على كبرها، لكنها تظل دون المستوى المطلوب للتصدي بنجاعة لقوة جوية وبحرية أطلسية ضاربة، مدعومة بتقنية لا حيال لسوريا في التعامل معها. ثانياً، سوريا دولة مواجهة مع إسرائيل ومنذ عشرات السنين، وذلك ما يُكسبها تعاطفاً عربياً وإسلامياً واسعاً. هذا المعيار سرعان ما يضمحل في عيون المعارضة ومن يتعاطف معها. الرأي المضاد هنا، هو أن الجبهة السورية هي أكثر الجبهات العربية مع إسرائيل هدوءاً، وعلى مدى عقود.

يتمتع حزب البعث الحاكم في سوريا بشعبية ضيقة، لا تتجاوز العشرين في المائة، حسب تقارير محايدة على الأقل. حتى الآن يظهر الجيش السوري ولاءً قوياً نسبياً للنظام، إلا أن نبرة التذمر والتململ في صفوفه، لا شك ستسود في حال استمرار الأوامر العسكرية في الصدور للتصدي لموجات شعبية عارمة ثابتة الزخم. كما أن اللجوء للتهديد باللعب على وتر الطائفية، لا ينطلي على جل فئات الشعب السوري، على مختلف مستوياتها الفكرية.

تتعالى الأصوات لدى المعارضة في الداخل والخارج، مطالبةً بتدخل غربي على غرار التدخل في ليبيا. يُعطى النظام الحاكم إنذاراً بعدم استعمال القوة الجوية والأسلحة البرية والبحرية الثقيلة في ضرب المدن. تتدخل جماعات حقوق الإنسان وتطالب بوضع حد لمعاناة السوريين داخل السجون والمعتقلات، وخارجها! عملياً يعني ذلك حرمان النظام من الورقة الفاعلة شبه الوحيدة والنهائية، ألا وهي اللجوء للقوى الأمنية لفرض حل رسمي! للأوضاع.

يعتمد إرسال قوات غربية إلى سوريا على مدى استجابة النظام السوري للمطالب الدولية، بالذات الغربية. أغلب التوقعات تشير إلى الرفض، لسبب يقين النظام أن القبول بها ما هو إلا طريقة أخرى سلمية للاستسلام وتسليم دفة الأمور لقوى المعارضة. على الأرض، من الممكن للمعارضة السورية المجردة من السلاح حالياً، أن تتسلح. المصادر داخلية قريبة، وبعيدة حيث الدول المجاورة لسوريا جميعاً تؤمن بوجوب حدوث تغيير سياسي في سوريا لصالح المعارضة.

حقيقةً، النظام السوري الحاكم يدفع ثمناً باهظاً نتيجةً لسياسات تقليدية معادية للغرب. النظام لا يزال يسير في فلك الدول الاشتراكية المناهضة للغرب الرأسمالي. في الحقبة الأخيرة، تحالف مع قوى راديكالية معادية حتى النخاع للسياسات الغربية، مثل إيران وحزب الله اللبناني. التخلص من النظام السوري يضع القوى المناهضة للغرب وإسرائيل في وضع لا تُحسد عليه.

تواجه سوريا ما بعد النظام الحالي، مرحلة الوقوع في براثن الشركات، العملاقة والكبيرة والمتوسطة والصغيرة، بالجملة والمُفرّق. ثمة سقوط النظام السوري يضع قوى الممانعة أمام خيارين صعبين لا ثالث لهما؛ الاستسلام للتغيير، أو الاستمرار في مواجهة خاسرة مع الغرب وقوى التغيير. التغيير ليس بالضرورة نحو الأفضل، فربيع التغيير في المنطقة يدخل مراحل تضع المنطقة في حال أكثر غموضاً، وأقل استقراراً من ذي قبل.

 

Email