تداعيات إسقاط القذافي على أمن الخليج

ت + ت - الحجم الطبيعي

لقد أظهرت الثورة الشعبية التي قامت في ليبيا ضد نظام الزعيم معمر القذافي بأن الأخير ليس محبوباً لدى الشعب الليبي وأن السنوات الاثنتين والأربعين التي قضاها في الحكم كانت عجافاً على شعبه الذي لم يتمكن من العيش في دولة مدنية حديثة، ولم يستثمر زعيمه إمكانيات ليبيا النفطية في تعزيز حياة المواطن الليبي المعيشية.

وبالتالي ليس هناك من شك في أن إزاحة القذافي يمثل مصلحة ليبية عبر عنها الشارع الليبي بكل طوائفه حتى لم يبق من أحد في داخل ليبيا يتعاطف مع نظام العقيد المُنقلب عليه، بما في ذلك قيادات نظامه التي فر العديد منها وترك العقيد العنيد وحيداً يلاقي مصيره بمن معه من قلة لا تمثل الشعب الليبي. وما يهمنا نحن في المنطقة الخليجية معرفة تداعيات إسقاط القذافي على أمن واستقرار دول منظومة مجلس التعاون الخليجي، فما من شك أن ما يحدث من حولنا من تطورات لا يمكن إلا أن يُحدث تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة على أمن منطقتنا الخليجية.

يمكننا تحديد التداعيات في نوعين، إحداهما إيجابي والآخر سلبي. فبالنسبة للتداعيات الإيجابية فإن رحيل القذافي يعتبر أمراً مرحباً به في المنطقة الخليجية بحكم أن القذافي كان يتخذ في العديد من الأحيان مواقف هجومية وعدوانية ضد الدول الخليجية، فالتاريخ لا ينسى دعم القذافي للثوار الظفاريين في عُمان الذين كانوا يخططون لقلب ليس فقط نظام الحكم في السلطنة بل وأيضاً أنظمة الحكم القائمة في الدول الخليجية.

والجميع يذكر موقفه السلبي من العدوان العراقي الغاشم على الكويت، فالقذافي لم يتردد خلال اجتماع الجامعة العربية في التصويت ضد تحرير الكويت، ووقف بشدة ضد استخدام القوة العسكرية لتحرير ذلك البلد المعتدى عليه بحجة أن تلك العملية هي مؤامرة إسرائيلية- أميركية ضد العرب.

وبالتالي وجب مواجهتها وعدم السماح لها بالنجاح، فلقد كان القذافي مستعداً لترك العراق يعبث بالكويت من دون وضع حد لذلك العدوان رغم أنه انتقد الهجوم العسكري العراقي على إيران واندلاع الحرب بين البلدين وقدم دعماً لإيران ضد العراق في ثمانينات القرن المنصرم. هذا الموقف الليبي من الكويت جاء مخالفاً للموقف الذي اتخذته الدول الخليجية جميعاً والتي وقفت مع الكويت ودعمته بشكل كامل في استعادة أراضيه وسيادته من الاحتلال العراقي.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل كان سلوك القذافي الغير عقلاني ومواجهته الكلامية مع العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز ـــ عندما كان ولياً للعهد ـــ أثناء القمة العربية في شرم الشيخ، وما تبع ذلك من توتر في العلاقة بين البلدين، وقيام القذافي بتدبير محاولة اغتيال للملك عبدالله ليس إلا دليلاً واضحاً على أن القذافي لا يمثل مصلحة خليجية وأنه بالفعل مهدد لأمن واستقرار المنطقة، ويمكن له أن يرعى الإرهاب في المنطقة كما فعل في العديد من مناطق العالم.

وبالتالي فإن إسقاط القذافي يصب في مصلحة الدول الخليجية، لذلك جاء الموقف الخليجي ليقود الموقف العربي ضد نظام العقيد معمر القذافي ويشارك مع قوات الناتو في عملياتها العسكرية لفرض حظر جوي على القوات الجوية الليبية العازمة قتل الأبرياء من الشعب الليبي، وتقديم مساعدات عسكرية وسياسية واقتصادية للثوار الليبيين المنتفضين ضد نظام العقيد، باعتبار أن إزاحة القذافي تجعل دول الخليج العربية أكثر أمناً واستقراراً وتساهم في خير الشعب الليبي.

أما عن التداعيات السلبية فإن إسقاط القذافي قد يفتح الباب أمام مطالب شعوب الدول العربية الأخرى للتغيير والتطوير والإصلاح بما فيها بعض دول الخليج، والتي هي في غنى عن حدوث مثل تلك المطالب التي يمكن أن تؤثر على النسيج الداخلي فيها لاسيما تلك التي تتميز بوجود تنوع طائفي، فسلسلة الثورات العربية لا حدود لها ولا يمكن أن تنتهي عند النظام الليبي، بل يمكن أن يتزايد زخمها مع نجاح الثورة الليبية.

كما أن الإطاحة بالقذافي ونظامه عن طريق مشاركة حلف الناتو يعطي إشارة واضحة لإيران بضرورة عدم التنازل عن برنامجها النووي تحت أي ظرف ما كان، والسير به نحو تحقيق هدفها في الوصول إلى القدرة النووية العسكرية كوسيلة ردع في يدها ضد المخاطر والتدخلات الأجنبية.

حيث ان تنازل القذافي وتخليه عن برنامج الأسلحة الغير تقليدية الذي كان يملكه أدى إلى تحفيز الدول الأوروبية على استخدام القوة العسكرية ضد القذافي. إيران تدرك بأنها من دون برنامج نووي ستصبح مكشوفة أمام التدخلات الأجنبية في شؤونها الداخلية كما حدث لليبيا مع معمر القذافي؛ لذلك فلا يمكن لإيران أن تتنازل عن برنامجها النووي خوفاً من أن يصيبها ما أصاب القذافي.

وهذا بالطبع ليس في صالح الدول الخليجية التي تسعى ومنذ فترة إلى الحد من فرص امتلاك إيران السلاح النووي من خلال الضغط الدولي بضرورة تخليها عن أطماعها النووية العسكرية وضرورة تقديم ضمانات على سلمية برنامجها. في هكذا ظروف تصبح عملية إقناع إيران بضرورة التخلي عن أطماعها النووية لن يكون بالأمر السهل، لإدراك القيادة الإيرانية بأن هذا البرنامج هو وسيلة الردع الوحيدة التي تمتلكها لمنع فرص التدخل الأجنبي لتغيير النظام الإيراني كما حدث مع ليبيا.

كما أن مشاركة قوات الناتو في إزاحة القذافي من السلطة سيعطي القيادة الإيرانية الحافز ليس فقط لإبقاء برنامجها النووي وحسب بل ان ذلك سيحفزها لتكثيف وجودها في أماكن نفوذها المختلفة لاسيما في العالم العربي كالعراق وسوريا ولبنان ودول الخليج بغية استعمالها كأوراق ضغط ضد أية محاولات للتدخل في الشأن الإيراني إذا ما رُفعت راية الخيار الليبي ضد إيران. فزيادة التعنت الإيراني سيكون واحدا من أبرز سمات المرحلة المقبلة.

صحيح أن إزاحة القذافي تمثل جانبا إيجابيا لدول الخليج العربية ولكنها تمثل أيضاً تحدياً جديداً لها، وعليها بالتالي أن تتعامل بحذر شديد مع تداعيات تلك التطورات على أمنها واستقرارها في المستقبل القريب، فزوال القذافي كشخصية مثيرة للمخاطر قد يقابله تزايد المطالب الشعبية بالإصلاح السياسي في دول عربية أخرى، وتعنت إيراني بضرورة عدم التخلي عن برنامجها النووي وزيادة توغل نفوذها في شؤون العرب بما فيها شؤون المنطقة الخليجية.

Email