الإخوان المسلمون والمنظور الإسلامي الحديث

ت + ت - الحجم الطبيعي

استفادت التيارات الإسلامية على اختلاف مشاربها وتوجهاتها، من الثورات العربية بشكل فاق كل التوقعات، ويأتي على قائمة الفوائد التي جنتها تلك التيارات، علانية الممارسة، والقدرة على التعبير السياسي، بما في ذلك تشكيل الأحزاب السياسية والظهور الإعلامي غير المسبوق.

وفي ظل هذه القدرات الجديدة المتنامية، يمكن القول ان العالم العربي سوف يشهد توجها إسلاميا واسع الانتشار، ليس على مستوى الاعتقاد المتخفي مثلما كان الحال في ما سبق، ولكن على مستوى الممارسة والنشاط السياسي. وتحتل جماعة الإخوان المسلمين حيزا كبيرا في هذا الصعود الإسلامي الكبير، وبشكل خاص في الحالة المصرية، وهو أمر يلقي بتبعات ومهام هائلة على عاتق هذه الجماعة، بشكل يضعها في صدارة القوى القادمة، ليس على الساحة المصرية فقط، ولكن أيضا على الساحة العربية، وربما الإسلامية الكونية.

وتلك المساحات الكبيرة التي من المتوقع أن تحوز عليها الجماعة في السنوات القادمة، تملي عليها مجموعة من الأمور، ربما تمنحها زخما وقدرة على الحراك السياسي في العقود القادمة. والأمر الهام هنا، أن تلك الأمور ترتبط بمنظور إسلامي جديد، يجب أن تتبناه الجماعة أو الأحزاب المنوبة عنها، إذا أرادت أن تحفر لنفسها تأثيرا مميزا وحقيقيا في التاريخ المصري المعاصر. وتشمل قائمة هذه الجوانب ما يلي:

1- القبول التام لكافة التيارات الأخرى، سواء الإسلامية أو الليبرالية أو اليسارية، والعمل معها جنبا إلى جنب دون استعلاء أو غرور. إن أهمية هذه المسألة أنها سوف تزيد من شعبية الإخوان، وتوسع من دائرة الاطمئنان لها بشكل ربما تستفيد منه الجماعة بأكثر مما تتصور.

2- العمل بمبدأ تداول السلطة، الأمر الذي يضمن الاحتكام إلى صندوق الانتخابات بوصفه الفيصل بين كافة التيارات السياسية المختلفة. وتفضي هذه المسألة إلى ضمانة ألا يحدث في مصر ما حدث في الجزائر سابقا، بحيث يرحب المصريون اليوم بفوز الإخوان، كما يرحبون في الغد بفوز الليبرايين.. وهكذا. كما أنها تفضي إلى وجود معارضة جيدة لا تقل شأنا عمن يحكم، فمن يقود قاطرة المعارضة يعلم أنه سوف يصل إلى سدة الحكم في الغد. وفي النهاية يستفيد المصريون بهذا التداول السياسي الطبيعي والمقبول والسلس.

3- الإصرار على وسطية الإخوان المسلمين التي تنص عليها لوائحهم عبر تاريخهم الطويل، بما يحقق انفصالا عن التيارات الإسلامية الأخرى الجامدة في بعض الدول العربية، وبما يتفق وهوى المصريين وطبيعتهم الوسطية. إن هذه النقطة سوف تكشف بدرجة أو بأخرى، قدرة الإخوان على فرض رؤيتهم الدينية والسياسية بشكل يتفق ورؤية أغلب المصريين الوسطية، كما أنها سوف تكشف عن قدرتهم في قيادة مصر بوصفها القوة الإقليمية الأكبر التي يحق لها أن تفرض رؤاها، وألا تستلهم رؤى الآخرين، وبشكل خاص الدينية المتشددة منها.

4- القبول بالآخر المختلف دينيا وحضاريا، والتعامل معه من خلال أطر قائمة على المساواة والندية، ودون تدخلات سافرة تحت أية موجبات دينية أو سياسية. فما تقوم به تركيا الآن يقدم نموذجا بالغ الأهمية، ليس فقط للإخوان، ولكن أيضا لكافة الدول العربية. فالنموذج التركي يمزج السياسة بالحفاظ على الكرامة والتسلح بها، وهو أمر تكاد تفتقده السياسة العربية الراهنة، وبشكل خاص تجاه ما يتعلق بالممارسات الإسرائيلية الأميركية في المنطقة.

5- البدء في طرح برامج فعلية حقيقية، تتجاوز الدعوة الدينية وتتفق مع طموحات المصريين ومتطلبات حياتهم اليومية. فلم يعد يجدي التمسح بالدين، في ظل الظروف الاقتصادية المتدهورة التي يواجهها المصريون. فقد تكسب الجماعة اليوم من وراء ذلك، لكنها بالتأكيد سوف تخسر في القريب العاجل. والأمر الهام هنا، أن تاريخ الجماعة يكشف عن قدرات كبيرة في العمل الخيري والتطوعي، وهو أمر يجب أن تستمر فيه من خلال أطر سياسية واجتماعية أوسع وأكثر تعقيدا؛ أطر تتجاوز التركيز على فصيل بعينه، إلى كافة الشرائح الاجتماعية المختلفة، بغض النظر عن طبيعة الانتماء السياسي والديني والطبقي.

6- وارتباطا مع ما سبق، يجب تحديد مواقف فعلية وواضحة من التعامل مع المرأة والأقليات والقضايا العصرية الجديدة والمستجدة، بشكل لا يوقع الجماعة في الميوعة والمهادنة، بقدر ما يكسبها صلابة في مواجهة تلك القضايا الحاسمة، ومن دون الحلول التي تخدش حياء الوطن وتنال من كرامته، من أجل إرضاء جماعة هنا أو جماعة هناك.

تحتاج جماعة الإخوان المسلمين لتجديد واسع المدى يضمن للجماعة استمرارها، وهو تجديد يحتاج للنظر في القضايا السابقة بشكل عاجل وعميق، قبل أن يفوت الأوان لنخسر عقودا أخرى بخلاف العقود الثلاثة البائدة الماضية.

 

Email