لقاءات محمد بن راشد مع أهل المعرفة

ت + ت - الحجم الطبيعي

توقير أهــل الفهم والمعرفة، أو أهل الثقافة والدراية من قبل المسؤولين في الدولة، هي الطريقة المثلى لتشجيع المجتمع الإماراتي، وكل فرد في هذا المجتمع، وحث همته، للأخذ بأسباب الثقافة وبأسباب المعرفة، لأن الثقافة تهدي إلى الأقوم من الأمور، وتنير عقل الإنسان وتجعــله أكثر قدرة على التمييز بين الغث والسمين..

ومن يترجل عن ظهر الثقافة في هذا العصر يكون حاله كالتآئه، أو كما يقول العرب ـ كالمُنبِت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، ولا ريب أن التقارب بين أهل الشأن وأهل المعرفة، في المجتمع، يؤدي إلى الدرب السليم، ويؤدي إلى أن يسود الأمان، ويخلق الطمأنينة والشعور بالتقارب الأسري، وبأن أي بلاء يحدث لا قدّر الله، سوف يعم الجميع ولا يسلم منه أحد، وأي خير يحدث يكون خيراً عميماً ويصل إلى الجميع دون استثناء..

وفي رأيي أن الشيخ محمد بن راشد ـ حفظه الله ورعاه ـ خير من يمثِّل الإدارة الرشيدة للدولة، تلك الإدارة، التي تحاول مدّ الجسور وحبل التواصل بين السلطة والناس، فالشعب الإماراتي شعب يحب السلام والاستقرار ويحب الابتعاد عن أي شيء يعكر صفو هذا السلام والاستقرار، ويحب أيضاً أن يعيش في وئام مع نفسه ومع الآخرين، ونادراً ما يجد المرء إماراتياً تشرَّب بالروح الإماراتية الودودة، عدوانياً أو يخطط للعدوان على أحد داخل مجتمعه وخارجه.

ومن نافلة القول أن نشير إلى أن إدارة الدولة وهيكلها من حكام ومسؤولين تابعين لسلطة الدولة، هم من نسيج هذا المجتمع، تربوا في أحضانه ورضعوا من ضرعه الحاني، ولا يختلفون في أخلاقياتهم العالية وذات الطباع الحسنة عن بقية الشعب، والذين عاشوا متقاربين متحابين ومتجانسين في السراء والضراء..

وطوال شهر رمضان المبارك، وكعادته في كل رمضان وفي مناسبات مماثلة، يقيم الشيخ محمد، لقاءات مع مختلف الشرائح من مواطنين ومقيميين، في منزله، على مدار كل يوم في رمضان وفي مناسبات متفرقة خلال العام، وقد أشرت أنا كاتب هذه السطور إلى هذه اللقاءات في بداياتها عام 1997، ونُشرت في الصحف يومها، وبعد ذلك في كتابي هموم وطنية، الذي صدر عام 2000..

والذي يدعو إلى الاستحسان، أن الشيخ محمد مواظب منذ ذلك الوقت على هذه اللقاءات، وإن كان قبل ذلك لم يكن بعيداً عن الناس، إذ كان بالإمكان مقابلته في النادي الرياضي في زعبيل كل مساء، ولكن اللقاءات الأخيرة تأتي بشكل أكثر تنظيماً بحيث تشارك الفئات المختلفة بصورة متسلسلة فئة بعد أخرى..

وقد جاء اللقاء في بداية الأسبوع الأخير من رمضان هذا العام، لكي يكون مسك الختام مع الشريحة المثقفة، والكتاب والأدباء وأصحاب الرأي وحملة القلم من المواطنين من أنحاء متفرقة من الإمارات.

وفي رأيي أن هذا المسلك وهذا اللقاء بالذات، يشكّل لبنة قوية توضع لبناء صرح من التفاهم والود بين قيادة الدولة وهؤلاءالمثقفين، الذين عليهم المعول الأساسي في إيجاد ما من شأنه العمل على قيام مجتمع متضامن ومتكاتف، ومعين للدولة على خلق الأفضل والأحسن، والوقوف أمام المحن والخطوب، والحرص على ما أنعم الله به علينا من نعمة الاستقرار والأمن..

وباعتبار الشيخ محمد بن راشد زعيماً يتمتع بالثقافة العالية، فإنه يأنس كثيراً لمجالسة المثقفين والأدباء والشعراء، ويجلُّ سموه هؤلاء الأفراد ولسان حاله يقول لهم.. أنتم الناس أيها المثقفون.. وبهذا يستعيد الشيخ محمد بن راشد تاريخاً ما أهمله التاريخ.

وهو رعاية الخلفاء والسلاطين والملوك العرب للطبقة الفاهمة والمثقفة من الناس، الذين هم في واقع الأمر أكثر وعياً ومقدرةً وجدارةً على المساهمة في طرح الأفكار النيّرة، المساعدة على بناء الدولة، بناء متيناً لا تهزه الرياح، وخلق جو من التماسك والتضامن في المجتمع الإماراتي..

وغني عن البيان، أن استمرار التواصل يؤدي إلى توثيق العُرى، وبالتالي إلى الإصغاء من قبل السلطة للآراء ذات الصبغة الإصلاحية، التي يطرحها المثقفون الواعون، البعيدون عن التشنجية واضطراب التفكير.. طالما كانت هذه الآراء تنبع من مصلحة وطنية، ويريد صاحب الرأي أن يحقق هذه المصلحة.. ولا ينبغي أن يُقَابَل صاحب الرأي بأية مقابلة تدفعه إلى السكوت، لأن السكوت القسري قد يدفع بالمرء إلى اللجوء إلى ما لا يحمد عُقباه..

وفي رأيي، أن ما حققته الدولة من تقدّم مضطرد وباستمرار، يجعلها قادرة على الدخول في حوار حضاري مع أصحاب الرأي الآخر، إن وجدوا، ومثل هذا الحوار الحضاري من الواجب علينا جميعاً أن ندعو إليه، ومقارعة الحجة بالحجة، كما يتم ذلك في المجتمعات المتقدمة..

Email