قراءة في قائمة مرشحي انتخابات المجلس الوطني

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعلنت اللجنة الوطنية لانتخابات المجلس الوطني الاتحادي الأسبوع الماضي عن قائمة المرشحين للتنافس على عضوية نصف مقاعد المجلس للانتخابات التي ستُجرى في الرابع والعشرين من الشهر المقبل، تلك القائمة التي سيخرج منها عشرون عضواً من المفترض أن يكونوا ممثلين لشعب الإمارات، ويكونون على حجم المسئولية الملقاة على عاتقهم في مساعدة السلطة التشريعية في الدولة بآرائهم واستشاراتهم، وأن يكونوا جزءاً من عملية التطوير السياسي الجاري في الدولة مع السعي نحو تمكين المجلس الوطني في المرحلة المقبلة.

إن القراءة الأولية لقائمة المرشحين للتنافس على مقاعد المجلس الوطني توضح غياب أصحاب الرأي والفكر وأولئك الذين يتمتعون بالحضور المجتمعي، حيث إن الجزء الأكبر من الأسماء المرشحة هم أشخاص لا حضور فاعل لهم في المجتمع، ولا يتمتعون بعمق وغزارة في الخبرة المجتمعية. ولا نبالغ إذا ما قلنا بأن قائمة المرشحين في الانتخابات الأولى التي شهدتها الدولة لانتخاب نصف أعضاء المجلس الوطني في عام 2006 كانت أكثر ثراءً من حيث الأسماء التي ضمتها تلك القائمة، حيث كان منهم الأكاديمي المتمكن، والصحفي البارز.

ونساء ورجال الأعمال الناجحين، وشخصيات قيادية قدمت الكثير في مختلف المجالات في خدمة الوطن، فكانت بحق تلك القائمة ثرية بمن فيها من أسماء تُعتبر كبيرة في حضورها المجتمعي، وفيما تمتلكه من خبرة، وفي علاقاتها مع القيادات في الدولة. أما القائمة الحالية، ومع الاحترام الشديد للجميع وعدم تقليلنا لشأن كل فرد منهم، إلا أننا لا نجد فيها العدد المعقول من أولئك المتميزين وأصحاب الحضور المجتمعي الذين نستطيع القول بأنهم قادرون على الأخذ بالمجلس الوطني لما يصبو إليه الجميع.

بالطبع لا نستطيع إلقاء اللوم على الأشخاص الذين رشحوا أنفسهم، فهم قاموا بذلك وفقاً لحقهم الذي حدده لهم القانون، وإن كان لكل منهم سببه في الترشح. ولكن الواقع أن الاهتمام بنوعية المرشحين هي مسئولية يجب أن تلقى على عاتق اللجنة الوطنية للانتخابات التي من المفترض أن تضع معايير خاصة تضاف إلى المعايير العامة التي حددها الدستور والمتعلقة بالعمر والإلمام بالقراءة والكتابة لتشمل ضوابط أكبر تتمثل في تقديم أدلة واقعية عن سيرة كل مرشح الذاتية بحيث تشمل تلك السيرة مسيرة الشخص في خدمة الوطن، والدور الذي يقوم به في المجتمع، ومؤهلاته العلمية التي يمكن أن تجعل منه خير مرشح لتمثيل المجتمع والدولة في مختلف المحافل الداخلية والخارجية.

إن قياس مدى القبول الشعبي لمرشح ما هو جزء أساسي في عملية فرز الكفاءات ووصول أفضل الخيارات لمقاعد المجالس البرلمانية في أية دولة ما كانت، بالطبع فإن الممارسات الانتخابية المتقدمة في الدول الأكثر ديمقراطية تجعل مهمة الفرز من مسئولية الأحزاب في الدول التي بها أحزاب سياسية، أو من مسئولية الكتل السياسية في الدول التي لا توجد بها أحزاب سياسية بل توجد كتل سياسية كما هو الحال القائم في الكويت والبحرين على سبيل المثال.

نحن في دولة الإمارات ليست لدينا أحزاب ولا كتل سياسية تقوم بعملية فرز المرشحين واختيار الصفوة منهم، الأمر الذي يجعل اختيار المرشحين لا يعتمد على آلية علمية وعملية مناسبة لاختيار الكفاءات، بل إن العملية متروكة لقدرة المرشح على جذب أكبر عدد من أصوات الناخبين إليه سواء كان ذلك من خلال المعارف والأصدقاء الذين يتواجدون في الهيئة الانتخابية التي ينتمي إليها، أو من خلال التحايل الغير قانوني عن طريق شراء بعض الأصوات.

وهنا لابد من التنويه بان البرنامج الانتخابي للمرشح عادة لا يكون هو العامل الحاسم في تصويت الناخب باعتبار أن البرامج الانتخابية متشابهة ومكررة عند الجميع، وباعتبار أيضاً إدراك الناخب بعدم توفر صلاحيات تشريعية للمجلس تجعل من البرامج الانتخابية أهمية للناخب.

لذلك ففي اعتقادنا أن التفكير يجب أن يكون متمركزا حول خلق مثل تلك الآلية التي يمكن من خــلالها فــرز الكــفاءات وعدم ترك الأمور تسير بشكل عفوي، حتى لا تصبح النتيجة مجلسا وطنيا ضعيف الكفاءة والعمق.

ولعل أحد الخيارات التي يمكن أن تلجأ إليها الدولة لخلق تلك الآلية هو في التفكير الجدي في إحياء دور المجالس المحلية في إمارات ومناطق الدولة، التي يمكن من خلالها أن تنبثق أسماء المرشحين الذين ينالون ثقة أبناء وبنات تلك المناطق عبر المجالس المحلية المنتخبة من أهالي تلك المناطق. فتصبح عملية الفرز تقع على عاتق تلك المجالس المحلية، ويكون المرشحون للمجلس الوطني بحق ممثلين عن أفراد المجتمع الذي ينتمون له.

في اعتقادنا أن عملية تطوير المجلس الوطني يجب أن تنطلق إلى فكر أبعد من مجرد التركيز على الانتخابات بشكلها الحالي إلى التفكير في آليات من شانها أن تحقق التمثيل السليم والفعال لمكونات المجتمع الإماراتي، والعمل على الخروج بالكفاءات التي من شأنها أن تضفي على المجلس هيبته ومكانته، وتساهم في تحقيق الازدهار لإمارات الخير التي بها من الكفاءات المواطنة ما يجعلها قادرة على تقديم الأفكار والخيارات الرائعة في هذا المجال.

Email