إسرائيل وتداعيات الثورة المصرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تمتد آثار الثورة المصرية إلى البلدان العربية فقط، بل تعدت ذلك إلى التأثير على الكيان الصهيوني المجاور، بحكم الاحتلال والقمع الدموي للشعب الفلسطيني الأعزل. والواقع أن المصريين رغم معاهدة السلام بينهم وبين إسرائيل، لا يكنون أي ود للإسرائيليين، بل على العكس فإن مصر التي وقعت اتفاقية كامب ديفيد، هي أكثر دول الممانعة ضد إسرائيل؛ على الأقل على مستوى الشعب والمثقفين. فالمزاج المصري مزاج مناهض لإسرائيل، كاره لها عبر معظم القطاعات والشرائح المجتمعية المختلفة.

ومما يلفت النظر هنا أن بعض الدول العربية التي لا تربطها علاقات معلنة بإسرائيل، هي أكثر الدول تعاملا معها، والأخطر من ذلك أنها أكثر قبولا بها. والخطورة هنا أن بعض شعوب المنطقة يقارن في أحيان كثيرة بين إسرائيل وغيرها من الدول العربية الأخرى، بالطبع لحساب الأولى؛ فقد وصلت حالة اضمحلال الوعي في بعض الدول العربية لمستويات بالغة الضحالة، جعلت شعوبها لا تقدر مخاطر الدولة العبرية على العالم العربي، وهو أمر خلق حالة من الانكفاء على الذات، وعلى حد قول المصريين حالة "شراء للدماغ".

وبقيام الثورة المصرية، فإن العلاقات بإسرائيل لن تعود مثلما كان الحال عليه من قبل، وليست هذه العلاقات بالاسثنائية هنا، فكل ما في مصر يتغير، بغض النظر عن مسار هذا التغيير. فمصر بعد الخامس والعشرين من يناير ليست كما هي قبلها. ولعل هذا الأمر ما زال غائبا عن عقول البعض في العالم العربي، ممن لم يعوا حجم التحولات الثورية المصرية، وعلى رأسها الإطاحة برأس الدولة.

ما كان يكبته النظام السابق من مشاريع المصريين العدائية تجاه إسرائيل، لن يصبح في مكنة أي شخص كبته مرة أخرى. ولعل ما حدث من استشهاد بعض الجنود والضباط المصريين على الحدود مع إسرائيل، قد كشف عن توحد حقيقي بين كافة المصريين، شعباً وحكومة، تجاه العداء لإسرائيل. بل إن الأمر الجلي هنا، هو استخدام شعارات بالغة العداء لإسرائيل، كان من الممكن أن تثير إسرائيل العالم بسببها في ما قبل.

إن الروح الثورية التي أحاطت بالسفارة الإسرائيلية في القاهرة، كانت بالغة الدلالة. فأولًا؛ إن المتظاهرين حول سفارة العدو الإسرائيلي في القاهرة، قد بعثوا رسالة واضحة ورائعة وإنسانية للمجلس العسكري، مفادها أننا نختلف معك في السياسات، لكننا وراءك ضد إسرائيل، وضد كل من يهين الشعب المصري ويفكر في الاعتداء عليه.

وثانياً؛ إن المشاعر الوطنية التي كشف عنها المتظاهرون، لهي أكبر عنوان دال على حقيقة ما يجري في مصر الآن، فما يحدث في مصر ليس هبة مفاجئة، بل هو تغيير حقيقي وجذري يقدم نموذجاً جديداً بالغ التأثير للعالم العربي. وثالثاً؛ فإن تلك المظاهرات قد كشفت عن حجم انبطاح النظام السابق لإسرائيل، وما اعتاد أن يقدمه من تنازلات لها، الأمر الذي جعله أهم كنز استراتيجي بالنسبة للدولة العبرية.

وما تحمله هذه المظاهرات أنها قد كشفت أن الزمان المباركي المتخاذل، قد ولى ولم يعد له من مكان في التعامل مع الدولة العبرية. ورابعاً؛ فقد أكدت هذه المظاهرات مرة أخرى ضرورة تعديل اتفاقية كامب ديفيد، والوصول بها إلى مستويات تليق بسمعة مصر ومكانتها العسكرية.

واللافت للنظر هنا هو تلك المشاعر الوطنية الجياشة، التي جمعت عبر شعاراتها توحدا مصريا وطنيا خالصا مع أبناء الشعب الفلسطيني في غزة، الذين يتعرضون لحرب إبادة متواصلة في ظل هذا السكوت العربي المهين.

إن التحولات الصراعية في العلاقات المصرية الإسرائيلية، لن تقف عند هذا المستوى فقط من المظاهرات؛ وأغلب الظن أنها سوف تتعدى ذلك لمستويات من التطاحن الدبلوماسي، وربما بعض المناوشات الحدودية. لكن الأمر الذي لا يمكن تجاهله، هو أن طبيعة العلاقات التي يستفيد فيها طرف على حساب طرف آخر لن تستمر إلى الأبد، وأن التغيير قادم لا محالة، سواء رضيت إسرائيل أو أبت.

النقطة الأخيرة المهمة هنا، أن مصر وهي تتظاهر ضد إسرائيل، تكشف عن حجم الجمود في الوعي العربي الذي لا تحركه إلا أجندات مستترة من هنا ومن هناك. ولعل القمع الدموي الذي يحدث في الكثير من الدول العربية، يكشف عن أهمية التغيير الذي يحيل العمل السياسي من التبعية لإسرائيل والامتثال لأوامرها، إلى مواجهتها ورفع سقف الخطاب الثوري إلى مداه.. اللهم انصر شعبنا في غزة، واحم المصريين من صمت المرائين.

Email