إلى جانب من يا ترى سيقف رمضان ؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

يدخل علينا شهر رمضان هذا العام والعالم العربي في وضع مخالف عن ما كان عليه في السابق، فرمضان هذا العام يشهد مزاجاً عربياً مختلفاً، وموجة غضب شعبية لدى شعوب بعض الدول العربية ضد أنظمتها الحاكمة مطالبة بالتغيير وتحقيق العدالة والحرية، لاسيما في كل من ليبيا وسوريا واليمن ومصر وتونس، تلك الدول التي مازال الوضع في ثلاث منها يغلي على صفيح من نار. فيا ترى ما الذي سيحمله رمضان هذا العام لشعوب وحكام تلك الدول؟ ويا ترى إلى جانب من ستقف بركاته؟

في ليبيا الواقع يقول بأن العقيد معمر القذافي ينتظر على أحر من الجمر قدوم رمضان، الذي قد يكون مُخلصه من مأزقه الذي هو فيه، فالقذافي في خندق الدفاع وليس الهجوم؛ وبالتالي فإن العقيد يأمل في استمرار قوات التحالف في عمليات قصفها لطرابلس ولقواته بهدف أن تخلق تلك الضربات، لاسيما التي تطول المدنيين خطأً، حالة من الغضب لدى الشارع الإسلامي ضد مثل تلك الأعمال العسكرية التي قد تُعتبر عدوانية في شهر فضيل كشهر رمضان.

فسقوط المدنيين بين قتلى وجرحي على يد قوات التحالف في شهر رمضان سيكون ورقة رابحة يستخدمها العقيد في مواجهة دعاة الحرب والتغيير بالقوة، لأن ذلك من شأنه أن يحرك مشاعر المسلمين ضد مثل تلك الأعمال وتزداد بالتالي الضغوط الشعبية على الدول الغربية بضرورة وقف العمليات العسكرية.

صحيح أن الشعوب العربية ومعها الشعوب الإسلامية أيدت مطالب الشعب الليبي في تغيير نظام معمر القذافي القابع على صدره منذ أكثر من اثنتين وأربعين سنة وهي أطول فترة حكم لحاكم غير ملكي في التاريخ - إلا أنها لا يمكن أن تقبل بأن تستمر حالة الهجوم العسكري الأجنبي ضد ليبيا إلى ما لا نهاية.

فإذا لم يتوقف القصف الجوي من قبل قوات التحالف للمواقع الليبية في شهر رمضان فإنه قد يكون هذا الشهر فرصة للعقيد بأن يضع الضغط الإسلامي على دول التحالف لوقف ضرباتها العسكرية، وأن يُقنع مناهضيه بضرورة الجلوس على طاولة الحوار.

وهو ما لا تؤيده المعارضة ممثلة في الثوار في الوقت الراهن رغم أن نبرة التعامل مع القذافي من قبل قيادة المجلس الوطني الانتقالي الليبي اتسمت في الأيام القليلة الماضية بدرجة من المرونة في التعامل مع هكذا أمر؛ فبعد أن كانت المعارضة ترفض الجلوس مع القذافي وتطالبه بالرحيل فإننا نجدها اليوم على استعداد لبقاء القذافي في ليبيا.

القذافي يعتقد أنه يستطيع أن يستخدم رمضان كورقة ضغط قوية في مواجهة العمليات العسكرية ضده، باعتبار أنه ينظر إلى نفسه أنه ما زال لم يُهزم بعد، لطالما أنه قادر على صد تقدم فلول الثوار، وطالما أن الثوار لم ينجحوا حتى في الاقتراب من طرابلس.

أما عن سوريا واليمن فإن رمضان لا يبدو أنه سيكون في صالح الأنظمة الحاكمة هناك. فتزايد أعداد المظاهرات وحجمها واتساع رقعتها يمثل تهديداً واضحاً وصارخاً للأنظمة الحاكمة في هذين البلدين. لقد لعبت المساجد دوراً هاماً ومحورياً في اندلاع الاحتجاجات هناك، حيث كانت صلوات الجمع هي نقطة الانطلاق للحشود السورية واليمنية في مختلف المدن لإعلان مناهضتها للنظام الحاكم والدعوة لإسقاطه، وعادة ما تهدأ تلك المظاهرات خلال أيام الأسبوع العادية ومن ثم تنفجر بملايين من الناس في أعقاب صلاة الجمعة.

فالمسجد ظل هو النواة التي بلورت انطلاقة المحتجين. لذلك فإن قدوم رمضان سينذر باحتدام حدة الاحتجاجات لأنه خلال هذا الشهر يبرز الارتباط الواضح بين المسلم والمسجد وتتجلى قيم إسلامية عظيمة مثل رفض الظلم، ونصرة المسلمين، وإحساس البعض بأن الموت في سبيل مناهضة الظلم شهادة في سبيل الله في شهر فضيل كشهر رمضان. فلعل سوريا واليمن ستكونان على موعد مع حالة من المظاهرات الحاشدة والملتهبة في كل يوم من أيام شهر رمضان ولاسيما في أعقاب صلوات التراويح، وقد يكون هذا الشهر هو شهر الحسم في مثل تلك الدول وخاصة سوريا، التي سيزداد الضغط الشعبي على نظامها السياسي.

وفيما يتعلق بمصر وتونس فإن رمضان سيكون فرصة للثوار في التأكيد على أنهم ماضون في سعيهم لإنجاح ثورتهم، وسيكون رمضان بركة على المصريين الذين سيتنسمون هذا العام طعماً من الحرية لم يحسون به طوال السنوات العديدة الماضية، ولعلهم ينجحون في تنظيم بيتهم الداخلي بشكل يجعلهم أكثر قوة وأكثر تجانسا فيما بينهم.

ستكون أيام رمضان في مصر أيام سجال سياسي ولكنها ستصب في صالح التغيير السياسي المنشود في ذلك البلد. ولعل أخبار مصر وتونس لن تتصدر قائمة الأخبار في شهر رمضان كما هو الحال مع أخبار سوريا واليمن وليبيا، التي وبلا منازع ستنافس أخبارها كبريات البرامج الرمضانية المعروضة على شاشات التلفزة العربية في الشهر الكريم.

Email