الحل في الحكم الرشيد

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكثر ما يحتاجه العالم العربي اليوم وشعوبه الثائرة من الشرق إلى الغرب هو الحكم الرشيد الذي يرسي قواعد العدالة والمساواة ويضمن سيادة القانون واستقلال القضاء ويحقق الأمن والاستقرار والطمأنينة لأفراد المجتمع ويعزز التكافؤ في الفرص بينهم جميعاً.

إن الجاري حالياً في معظم دول العالم العربي- لاسيما تلك التي اندلعت فيها الثورات والاحتجاجات الرافضة لعمل أنظمتها السياسية- هو غياب الحكم الرشيد. فغياب الحكم الرشيد هو الذي أدى إلى تفشي الفقر وزيادة حدة الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد، مما أجج مشاعر الحقد والإحساس بالظلم وانتشار العداوات. هذه الحالة ولدت ضغطاً كبيراً على أفراد المجتمع لرفض الواقع ومواجهته بالاحتجاج والثورة ضده.

لذلك فإن أفضل ما تحتاجه مثل تلك الدول هو التغيير الثوري الذي يأخذ بها نحو الرشد في الحكم، وقد تكون الديمقراطية هي وسيلتهم في ذلك، حيث يمكن للديمقراطية أن تساعد على تحقيق أسس الحكم الرشيد المتمثلة في القواعد المذكورة أعلاه. ولكن الحكم الرشيد قد يتحقق أيضا في ظل عدم التركيز على الديمقراطية، فسنغافورة وتايوان وكوريا الجنوبية وحتى الصين كلها دول استطاعت أن تحقق الأمن والاستقرار وترسي قواعد المساواة وسيادة القانون وتحسن مستوى المعيشة لشعوبها.

وهي لم تصبح بعد دول ديمقراطية، بالطبع تايوان وكوريا الجنوبية دخلت عالم الديمقراطية بشكله الواسع فيما بعد ولكنها لم تكن كذلك عندما أنجزت بنجاح العديد من قواعد الحكم الرشيد. وعلينا التأكيد هنا أن الديمقراطية تعني حكم الشعب، وأن الأسلوب المتبع في ديمقراطيات العالم والذي تحاول الدول العربية الأخذ به قائم على التمثيل النسبي.

وهو الذي يجعل الحكم في يد الأغلبية، والذي بدوره يؤدي إلى خلق أقلية قد لا تستفيد من حكم وسيطرة الأغلبية. وهذا في حد ذاته أحد الفروق الجوهرية التي قد تصب لصالح الحكم الرشيد الذي يحترم حقوق الجميع ويساوي بينهم جميعاً في الفرص وأمام القانون ويحاول أن يبتعد عن محاباة فئة دون فئة أخرى، فالجميع سواسية أمام الحاكم الراشد الذي يتعامل معهم بشكل يرضي الجميع.

وفي الواقع قد لا نكون بحاجة إلى الذهاب بعيداً عن واقعنا العربي كي ندلل على أن الحكم الرشيد يمكن أن ينجح من دون الالتزام بمبادئ الديمقراطية، فهذه الدول الخليجية قد نجحت نجاحاً باهراً في تحقيق العديد من قواعد الحكم الرشيد واستطاعت أن تضمن ديمومتها بشكل مذهل للغاية. ولو أخذنا دولة الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال لوجدنا بأن هذه الدولة استطاعت أن تحقق نجاحات عظيمة في الكثير من المجالات بفضل الحكم الرشيد الذي تمتعت به طوال فترة نشأتها الحديثة مقارنة بعمر الدول.

فخلال نحو الأربعين عاماً الماضية نجحت الإمارات بفضل التزامها بمبادئ الحكم الرشيد في أن تتبوأ مراكز الصدارة في مختلف المجالات التنموية، ولعلنا نذكر هنا التقرير الأخير حول سيادة القانون الصادر عن مشروع العدالة العالمي والذي يضع الإمارات في مرتبة متقدمة إقليميا وعالمياً حيث جاءت في المرتبة الأولى إقليمياً والحادية عشرة عالمياً في دليل سيادة القانون الذي يضم ستا وستين دولة.

فالتقرير أشار إلى أن دولة الإمارات نجحت في تحقيق الأمن والنظام وتطبيق الضوابط وتنفيذ عدالة اجتماعية ومدنية قوية وتمكنت من تغييب الفساد وتقليل دور الحكومة وتطوير التزامها بالحقوق ورفض التمييز. فالمساواة والالتزام والوضوح والعدالة تؤدي إلى سيادة القانون، ودولة الإمارات هي أفضل دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حسب هذا التقرير- فيما يتعلق بسيادة القانون، وهذا في حد ذاته رصيد يكتب لدولة الإمارات، ويعبر بكل وضوح عن الحكم الرشيد الذي تتمتع به هذه الدولة والرصيد العالي الذي تحقق من جراء مثل هذا الحكم.

إن العلاقة القائمة بين الحاكم والمحكوم في الدول الرشيدة هي علاقة تواصل وعدل واحترام وليست علاقة خوف وظلم وقهر. والحكم الرشيد يمكن أن يتحقق بعدة وسائل، منها وسيلة الديمقراطية ومنها أيضاً وسيلة الحاكم العاقل. ولعلنا في الدول العربية بحاجة إلى الحكم الرشيد بإحدى هاتين الصورتين، إما بصورة الديمقراطية التي تسعى الدول الانتقالية حالياً كتونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن إلى تحقيقه من خلال إدخال أسلوب الديمقراطية في إدارة تلك الدول.

والتي نتمنى لها كل التوفيق في تحقيق هذا الهدف، أو بصورة الحاكم العاقل الذي يرسي مبادئ وقواعد الحكم الرشيد كما هو معمول به في دول الخليج العربية وعلى رأسها النموذج المتبع في دولة الإمارات العربية المتحدة التي نجحت في إرساء تلك المبادئ والقواعد بكل قوة واتزان.

Email