الولاء للوطن عند محمد بن راشد

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعقيباً على مقال سابق أوردته في «البيان» عن الفئوية، التي منها الفئوية الطائفية، والفئوية القبلية، والفئوية العشائرية، وما إلى ذلك من الفئويات غير المحمودة، أُورد هنا قصة أو حكاية قد ترسِّخ في أذهاننا مفهوماً حضارياً، وتساعدنا على فهم قيمة المجتمعات المدنية وحاجتنا الماسة إلى أن نعمل جميعاً على إيجادها بيننا في الإمارات، لكي ننعم بالأمن وبالاستقرار، ونبتعد عن الشرور التي تخلقها هذه الفئوية، التي ما أن تطل برأسها في أي مكان إلا وتُحدث هزة، وتُحدث العداوة والبغضاء، وتجرنا جراً إلى الوراء، وإلى العادات الجاهلية.. وقد كنت أشرت إلى طرف من هذا الموضوع في مقالات سابقة، ولكن الفكرة الجيدة كالحكمة الجيدة تتردد كلما دعت الحاجة إليها، لأنها مثل الضوء الذي نحتاج إليه إذا وجدنا حولنا مكاناً يخيم عليه الظلام.

كنت أجلس في مجلس الشيخ محمد بن راشد ـ حفظه الله من كل سوء ـ وقريباً من المكان الذي يجلس فيه، فجاء إليه موظف مسؤول، يستأذنه في ترقية موظف في مؤسسته إلى درجة وظيفية، بدت أنها تتطلب الاستئذان من القيادة العليا أن يُرفع إليها هذا الموظف المرشح، وقال للشيخ محمد إن هذا الموظف فيه الكفاءة المهنية ليتبوأ هذا المركز، ولكنه ـ حسب قول الموظف المسؤول ـ من فئة معينة، ذكرها الموظف بالاسم.. وكان رد الشيخ محمد: كيف ولاء مرشحك هذا للوطن؟ أولاؤه لوطنه أم لفئته؟ فقال الموظف المسؤول، إن ولاء مرشحه هذا للوطن وهو مطمئن لقوله هذا.. فقال الشيخ محمد: بوئه أي مركز ترشحه له، فالمطلوب هو الولاء للوطن، وطالما كان هذا الولاء موجودا، فهو الإنسان المطلوب..

لقد خرجت من مجلس الشيخ محمد بن راشد يومها، ينتابني شعور بالارتياح، أن الشيخ محمد بن راشد هو قائد فذ، وزعيم متحضر، وربّانٌ ماهر يستطيع بكل كفاءة أن يقود أي سفينة إلى شواطئ الأمان، وينقذها من أي عواصف تتعرض لها مهما كانت هذه العواصف عاتية، ومثل الشيخ محمد يستطيع بمهارة فائقة أن يدير بلداً فيه التعددية الانتمائية والثقافية، وفي كنف سياسته المتزنة تشعر هذه التعددية أنها في أمان، وأن حقوقها مضمونة، وأن لا فوارق تبعدها عن الآخرين..

ويقتضي الواجب علينا أن نمشي على هذا النهج المتمدين، نهج محمد بن راشد، في أن تكون نظرتنا إلى المواطن نظرة حضارية.. ونطلب من هذا المواطن أن يضع نصب عينيه، الولاء للوطن ولمصلحة الوطن قبل أي مصلحة، شخصية كانت أم فئوية..

وعندما نستطيع أن نوجد مثل هذا المواطن الموالي للوطن، فإننا نمهِّد السبيل أمام ازدهار الوطن، وتعميم الإحساس بأننا كلنا مشاركون في بناء صروح هذا الوطن ومستقبله.

Email