لننبذ الفئوية البغيضة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أية حركة سياسية أو اجتماعية في أي مجتمع، سواء كانت هذه الحركة مُعارضة للسلطة في ذلك المجتمع أو موالية لها، إذا اتسمت بالفئوية، دينية، مذهبية، انتمائية، إلخ..، فلا قيمة لمثل هذه الحركة، ومآلها عاجلاً أم آجلاً إلى الفشل، لأنها لا تُعبِّر بأي حال من الأحوال عن المشاكل الحقيقية لما يعانيه عموم الناس.. وتركِّز على المطالب التي تخص هذه الفئة نفسها..

ويا ليت الأمر يقتصر على ما تراه الفئوية لنفسها من حقوق، فالمشكلة أن الفئوية تؤدي إلى خلق فئوية أخرى مضادة، لأن الإنسان كلما تمسك بانتمائيته وفئويته، خلق حوله انتمائية وفئوية أخرى من قبل الغير، وبذلك يؤول الأمر في النهاية إلى التفكُّك في التلاحم المجتمعي، وإلى ضياع أي مكاسب للمجتمع المدني، الذي هو الركيزة الأساسية لأية دولة عصرية تريد أن يكون لها مكان لائق في المجتمع الدولي المتمدين، وتريد أن تسير إلى الأمام في مجال خلق المجتمع الفاضل..

ومن الضروري والواجب أن يتعاضد المجتمع ويحارب مع الدولة ضد هذه الفئوية البغيضة، التي تريد إحداث انقسام بين الناس، متسببة بشكل تعسفي في التناحر وإحداث التفرقة، وتفضيل جماعة على أخرى، مما يؤدي إلى بعثرة الجهود من أجل السير بالمجتمع إلى البناء والتنمية..

وعندما ندعو إلى تكاتف الناس مع سلطاتها من أجل محاربة هذه الغايات غير السليمة، فإن المحاربة التي نعنيها ليست بتجريد السيوف من أغمادها، ومقابلة الشر بشر مثله، فهذه مصيبة أعظم، وكارثة أكبر، لأن ذلك يكون كما يقول المثل «إذا تقابل السيفان ذهب العقل..»، والعقل إن ذهب حلَّ مكانه الجنون والطيش، والجنون والطيش يؤديان إلى الخراب..

وإنما المحاربة المطلوبة ضد تفشي الفئوية، هي بالتمسك بالعدالة الاجتماعية واللجوء إلى القوانين، التي تساوي بين الناس في الحقوق والواجبات، وإعطاء كل ذي حق حقه، وإيجاد تكافؤ الفرص، ونبذ الفئوية نبذاً يؤدي بها إلى الاندحار، وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان في جميع مراحل التربية والتعليم، وتطور المجتمع..

وفي رأيي أن علينا واجباً لا ينبغي أن نحيد عنه، وهو معاضدة السلطات في دول الخليج للعمل على قيام مجتمع الرفاه، المجتمع الذي لا تعلو فيه فئة على أخرى، ويحقق للجميع ما يصبون إليه من حياة كريمة.. وهذه هي الطريقة المُثلى لخلق مجتمع فاضل، والابتعاد عن الشرور والفتن، ما ظهر منها وما بطن..

وليس هناك شر أكثر سوءاً وأكثر ضرراً من المناداة بالفئوية وفروعها؛ من طائفية وعرقية، وعلى دول الخليج أن تكون مثالاً جميلاً للمجتمع المتمدّن، القائم على أعمدة صلبة من القوانين والتشريعات، التي تحفظ للإنسان حقوقه وتراعيه، ولا تترك فرصة للذين ينادون للفئوية، بحسن نية أو بسوئها، وبالتالي بذر بذور البغضاء والأحقاد، وضعضعة أمن المجتمع ورفاهة، والتخلي عن الولاء للوطن إلى الولاء للطائفة.. ومن يفعل ذلك فإنما يرتكب إثماً عظيما..

 

Email