موقعة استاد القاهرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما حدث في استاد القاهرة من بلطجة واعتداء سافر على أرض الملعب، هو مجرد امتداد لما قامت به فلول الحزب الوطني أثناء موقعة الجمل الشهيرة. فلا يمكن تصور هذا السيناريو والدخول لأرض الملعب في لحظة واحدة وبشكل عدواني مخطط، إلا من خلال المنظور نفسه الذي حدث في موقعة الجمل. وعلى ما يبدو فإن فلول النظام السابق لا ترغب في مهادنة الثورة، أو حتى إيجاد طرق حضارية للتعامل معها؛ فما يحدث كل يوم في مصر من إشاعة للفوضى في كل مكان، ورغبة في إثبات أن الأوضاع ما قبل الخامس والعشرين من يناير أفضل من حالة الفوضى التي تواجهها مصر الآن، يعكس بدرجة أو أخرى رغبة هذه الفلول من انتهازيي الحزب الوطني وأذناب الرئيس المخلوع، في العودة بالزمن إلى الوراء.

والواقع أن هذه الأحداث تخدم الثورة أكثر مما تضرها، رغم الانطباع السيئ الذي قد يكونه البعض عما يحدث في مصر الآن. فهي تخدمها من ناحية أنها تكشف عما يكنه بلطجية الحزب الوطني والمتآمرون معهم ضد الثورة، وبالتالي ضد مصر. فهم في الواقع يكرهون الثورة وما حققته من إزاحة نسبية لنفوذهم، كما أنهم يمقتون مصر الجديدة التي لم تعد أسيرة نفوذهم وهيمنتهم، وبالطبع فسادهم الذي تجاوز كل الحدود والقيم والأعراف. كما أنها تخدمها من ناحية تدعيم التعاطف مع الثورة والالتزام الجماهيري بها.

فقبل موقعة الجمل بدأ التحول الجماهيري العاطفي والمخدوع، بعد خطاب الرئيس المخلوع وما ارتبط به من قبول استمراره لنهاية مدته، إلا أن أحداث الموقعة وما ارتبط بها من ممارسات مشينة وحقيرة، جعلت الكثيرين يغيرون رأيهم ويميلون للثورة وخلع الرئيس. وهو الأمر نفسه الذي حدث الآن في أعقاب موقعة استاد القاهرة؛ فقبل الموقعة الجديدة بدأ الحديث المباشر عن عودة فلول الحزب الوطني، وعن يوم الوفاء للرئيس المخلوع، وغيرها من الأحاديث التي تثير الريبة والشك فيما يحدث، وهو أمر أعتقد أنه قد تغير بدرجة كبيرة بعد فضيحة موقعة استاد القاهرة، والصورة المشينة التي أراد البعض إلصاقها بالثورة، وهم في الحقيقة يلصقونها بمصر التي هي أكبر من الثورة والشرفاء القائمين عليها.

والواقع أنه في كل مرة تتصاعد وتيرة هذه الفلول، فإنهم يقدمون خدمة مجانية للثورة وائتلاف التحرير، وهي خدمة تكشف عن القدر البالغ من الغباء السياسي الذي يتحلى به هؤلاء، كما تكشف عن حظ مصر السيئ الذي جعل هؤلاء يحكمون ويصولون ويجولون لمدة ثلاثة عقود، على مقدرات دولة بحجم وأهمية مصر.

ويبدو أن الثورة مكتوب لها أن تنجح رغم أنف الجميع، سواء من فلول الحزب الوطني وأذناب النظام المخلوع، أو من خلال ما يقوم به بعض الرجعيات العربية من محاولات متواصلة من أجل وأد الثورة وإزهاقها مبكراً. فأنا من المتفائلين بما يحدث في مصر الآن، فالحالة الثورية التي انتابت مصر منذ الخامس والعشرين من يناير، حالة فريدة من نوعها انعكست على كل مظاهر الحياة اليومية في مصر من حوار ونقاش، وهي حالة غير مسبوقة في الساحة المصرية. وما يحدث الآن من جدل يعكس حالة الجوع السياسي الذي عايشته الجماهير المصرية عبر العقود الثلاثة المنصرمة، وهي مسألة طبيعية جداً تعقب الثورات في أي مكان في العالم، كما أن وجود بلطجية وفلول للنظم السابقة مسألة عادية جداً، على الأقل في ضوء رغبتهم للعودة لما كانوا عليه في السابق واسترداد الامتيازات التي كانوا يحصلون عليها عبر وسائل الفساد والإفساد المختلفة.

أغلب الظن أننا سوف نشهد العديد من مواقع البلطجية في مصر في الأيام القادمة؛ فهم لن يهادنوا وهم يرون أنفسهم يخسرون مواقعهم وسلطاتهم يوماً بعد يوم، كما أنهم وهم مدعومون بالمال وبالحيل القذرة وبدعم بعض الجهات الخارجية، العربية وغير العربية، لن يتخلوا عن مواقعهم ببساطة ويسر، بقدر ما سوف يستميتون في محاولة استرداد هذا الواقع.

والأمر المهم هنا، هو أنه يجب على القائمين على الثورة عدم الاعتماد فقط على ما يقدمه هؤلاء البلطجية من مواقع غباء متكررة، بقدر ما يجب عليهم العمل الجدي الإجرائي من أجل الكشف الدائم والمتواصل عن فلول النظام السابق وفضحهم في كل مكان، والانتقال من موقع الكشف والفضح إلى موقع الهجوم ومواصلة الاعتصام. فمن خلال ذلك يمكن تنمية الوعي الجماهيري المتحول، وضمان ضمه لصفوف الثورة، وعدم تذبذبه العاطفي المخدوع.

 

Email