تداعيات الثورة المصرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

مما لا شك فيه أن الثورة المصرية أثرت بدرجة كبيرة وبنسب متفاوتة على العالم العربي، فانتقال عدوى الثورات لا يتم بنسب متساوية وبطريقة آلية؛ فالمجتمعات تتكون من شرائح اجتماعية مختلفة، بعضها مؤيد للنظام والبعض الآخر معارض له، كما أن لكل ثورة ظروفها الخاصة التي لا يدري القائمون عليها، المسارات التي سوف تتخذها. فما حدث في مصر يختلف، وإن تقارب إلى حد ما، مع ما حدث في تونس، كما أن ما حدث في الدولتين يختلف بدرجة كبيرة عما يحدث في ليبيا التي تواجه الآن أحداثا بالغة الدموية. من هنا فلا أحد يعرف بالضبط متى تندلع الثورات، وما هي المسارات التي سوف تتخذها. ورغم ذلك فإن الأمر الذي لا يمكن تجاهله في عالمنا العربي، هو التأثيرات المتوقعة للثورة المصرية على المنطقة بشكل عام.

ولقد لعبت القنوات الفضائية دورا كبيرا في نشر كافة تفاصيل الثورة المصرية. فالملاحظ أن التغطية الإعلامية، سواء العربية أو الغربية، قد اهتمت بها بدرجة كبيرة إلى الحد الذي يمكن معه القول بأن بعض الفضائيات العربية لم يكن لها من متابعة سوى الثورة المصرية وتحولاتها من يوم لآخر. وهو أمر ساعد على نشر تلك الحالة الثورية بدرجة كبيرة في كل مكان في العالم العربي الذي لم يكن له من حديث طوال أيام الثورة المصرية سوى عن مجرياتها وما سوف تؤول إليه الأحداث. ولأول مرة منذ زمن طويل يجتمع العرب جميعا على شيء يتعلق بمصر، ويمت إليها بشكل مباشر وبالأحداث الجارية فيها.

وبعيدا عن بعض التوجهات التي تخشى على أوضاعها ولا تريد أية تحولات حقيقية في مصر، فإن التوجه الشعبي العام تماهى مع الثورة المصرية التي مثلت للشعوب العربية انطلاقة جديدة وتحولا غير معتاد.

وفي ضوء ما سبق، يمكن توقع تأثيرات الثورة المصرية على مستويات عدة، يأتي في مقدمتها كسر حاجز الخوف والرهبة من النظم الحاكمة في العالم العربي. فما حدث في مصر أثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن العديد من النظم الحاكمة أضعف مما كنا نتخيل، وأن الجموع الحاشدة أثبتت قدرتها على مواجهة هذه النظم وتقويض أجهزتها الأمنية.

إن أهمية ما حدث، تتمثل في تقويض التابوهات التي ظللنا نتقيد بأوامرها وهيمنتها لعقود طويلة من الزمن. وما حدث عبر الثورة المصرية، هو حالة تقويض متتابعة لرموز وعناصر لسلطة لم يكن من المتخيل الاقتراب منهم في يوم من الأيام. وأهمية هذا الشعور أنه يجعل الآخرين يشعرون أيضا بالقدرة على مواجهة نظمهم، والاقتراب من رموز النظام وأجهزته الأمنية دون خوف أو وجل، وهي مسألة ترتبط بقدرة الثورات على الامتداد والانتقال من مجال جغرافي لآخر، ناهيك عن تأثيراتها السريعة على الدول المتجاورة. وعلينا ألا ننسى هنا أن الدول التي حدثت فيها الثورات في عالمنا العربي الآن، شملت ثلاث دول متجاورة جغرافيا.

ويرتبط هذا التأثير بالشعور العام الذي أشاعته الثورة المصرية بإمكانية التغيير الشامل وإسقاط النظام، وهو الشعار الذي رفعته الثورة. فالشعوب العربية قد شعرت بإمكانية التغيير ومواجهة السلطات، وإذا كان أكبر نظام عربي قد تهاوى على عروشه في ثمانية عشر يوما، فما بالنا بالأنظمة الأخرى الأقل تأثيرا وحجما! واللافت للنظر أن الثورة المصرية قد كشفت عن غباء تعامل بعض النظم العربية مع شعوبها، وهو أمر دفع بالثوار لتصعيد مطالبهم إلى إسقاط النظام وخلعه كلية. فتعاملات النظم مع الثوار كانت واحدة ومتماثلة في درجة الغباء والرفض وعدم التفاوض، كما أن الأسلوب الأمني كان هو الغالب في تعامل السلطات مع الثوار، بحيث لم يستطع نظام واحد، سواء في تونس أو مصر ناهيك عن ليبيا، التوصل إلى اتفاق يحقن الدماء ويحقق التغيير.

والأمر الأخير الهام، هو التغير الإعلامي المصري الجديد، الذي سوف يتأسس متواشجا مع توجهات الثورة ومقدراتها الجديدة. وبقدر ما سوف يثيره هذا الإعلام من تعارضات مع الإعلام العربي، وبشكل خاص الإعلام الموجه، فإنه سوف يخلق توجهات ثورية جديدة توسع من مجال الثورة وحجم التأثيرات الخاصة بها، على المستويات الشعبية العربية بأكملها. إن الماكينة الإعلامية المصرية الهائلة، سوف تعيد تنظيم نفسها بعيدا عن خضوعها السابق للإعلام الرسمي وتوجيهاته وتحالفاته، وهو أمر لن يصب في مصلحة العديد من النظم العربية الجامدة. وإذا كانت هذه التأثيرات سوف تظهر على الساحة في القريب العاجل، فإن هناك العديد من التأثيرات التي تحتاج إلى بعض الوقت، وعلى رأســــها استقلالية القرار المصري أمام إسرائيل وحلفائها في المنطقة!

Email