لماذا تحدث الانتفاضات والثورات والانقلابات؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

حديثي هذا يأتي ضمن سؤال عام.. وليس تحليلاً للانتفاضات والثورات، ولا أعرف الفرق الكبير بين الانتفاضة والثورة، غير ما هو معروف من أن الثورة أشمل، وأكبر حجماً وتأثيراً في ما يليها من مجريات الأمور، من الانتفاضة.

فما حدث في تونس، وما حدث في مصر، خلال الأسابيع الماضية، يسميه الناس تارةً بالانتفاضة وتارةً بالثورة.. وعلى فكرة، فإن الإيرانيين يسمّون ثورتهم وانتفاضتهم ضد حكم الشاه السابق، في عام ‬1979، بالانقلاب، في اللغة الفارسية التي يتحدث بها أهل إيران وأفغانستان وطاجيكستان.. والانقلاب كما يبدو كلمة عربية شأنها شأن الثورة.. ولكن الانقلاب قد يكون إلى الوراء، أي ينقلب الإنسان على عقبيه، كما حدث لبعض البلدان.. وكل الانقلابات التي حدثت في الستين عاماً الماضية لم تكن إلى القُدّام.

وأرجع للسؤال العام في بداية حديثي، لماذا يحـــــــدث ما يحدث اليوم في تونس ومصر، وما يحدث في غــــــيرها..؟! هل العامة من النــــــاس التي تشترك في هذه الحـــــــوداث، تريد أن تتداول السلـــــــطة السياسية في ما بينها؟.. وهل تقول للجالس على الكرسي، قم أنت لكي أجلس أنا في مكانك؟

لا أعتقد أن ذلك دقيق، في ما يتعلق بالإنسان العادي الذي يخرج في معظم الأحوال، صائحاً ومنادياً بسقوط السلطة.. هذا الإنسان العادي، حتى لو كان ذا حظ كبير من المعرفة، خرج محتجاً على ما يعانيه من شجن في حياته اليومية ومن ضنك في عيشه، وكل ما يدور في خلده منحصر في هاتين الآفتين.. فإذا استطاعت سلطة من السلطات في أي بلد، أن تجد حلاً لمشكلات الفقر، والجهل، والمرض، وأن تعين الإنسان في المجتمع الذي تديره، على أن يحصل على خبزه بطريقة سهلة وجيدة، وأن يرسل أبناءه إلى مدارس جيدة، ويعالج نفسه وأهله في مصحات جيدة، ويتوفر له مسكن صحي وبنية تحتية جيدة، وإذا أعيق ولم يجد عملاً، فإن الدولة تقوم برعايته رعاية جيدة.. ويشعر هذا الإنسان أنه يعيش في مجتمع متكافئ، لا تكون طبقة من فئاته في الأعلى وأخرى في الأسفل، ويحس بأنه في مأمن من الاعتداء على ماله وأهله وعرضه، وأن هناك عدالة اجتماعية تسود مجتمعه، وأن هناك قضاءً ومحاكم، تأخذ له الحق كما تأخذ منه، ويعامل بالقسطاس المستقيم.. إذا قام المجتمع على هذه الركائز الأساسية للعيش الكريم، فلا أعتقد أن أصواتاً ستعلو مطالبةً بالتغيير.. لأن التغيير عند ذاك معناه الانقلاب إلى الوراء بدرجة حادة، ومعناه حينئذ السقوط إلى الهاوية.

والحقيقة أن التاريخ الإنساني كله لا يدلنا على أن سلطة من السلطات في مكان ما، استطاعت أن توفر لأبنائها هذه العوامل المعيشية اللائقة بكرامة الإنسان، وقامت على هذه السلطة انتفاضات وثورات تنادي بسقوطها أو للإطاحة بها ليحل محلها الغير.. لأن الغير، في مثل هذه الحالة لن يأتي بالأحسن.

Email