المطلوب أخذ المبادرة وعدم الأكتفاء بردة الفعل

المجزرة المستنكرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الوقت الذي انفجرت فيه السيارة المفخخة في شارع دكاش الذي يقع على تقاطع بئر العبد ومنطقة الرويس في الضاحية الجنوبية لبيروت، وأوقع ما يقارب الخمسة والعشرين قتيلاً وقرابة الثلاثمئة جريح، كان العراق يشهد إنفجار تسع سيارات مفخخة في بغداد موقِعَةً ثلاثةً وثلاثين قتيلاً وأكثر من أربعين جريح.

هل من رابطٍ بين الإنفجار هنا والإنفجارات هناك؟ قد يبدو السؤال مستغرباً للوهلة الأولى، لكن إذا دقَّق المراقب قليلاً فإنه يخرج بالإستنتاجات التالية:
في بغداد يتحدثون عن لبننة العراق، وفي بيروت يتحدثون عن عرقنة لبنان. في العراق صراع يبدو انه طويل وهو يأخذ طابعاً مذهبياً مقيتاً، وقد عجزت كل المعالجات عن حلّه أو على الأقل التخفيف من وطأته، وفي لبنان صراع يبدو انه طويل وهو يأخذ طابعاً مذهبياً مقيتاً، وقد عجزت كل المعالجات عن حلّه أو على الأقل التخفيف من وطأته.

إن أخطر ما يجري هو ان التصعيد الأمني والتفجيرات، يبدوان وكأنهما سِكَّة بدأت تأخذ مسارها وتشق طريقها بثبات وثقة غير آبهة بالإجراءات المتخذة أو التي ستُتَخَذ. حين تحدثنا في هذه الزاوية عن الرشق الرابع من الصواريخ، كنا نُجري قراءة واقعية لِما يجري، فليس في الأفق ما كان يؤشِّر إلى أن التصعيد سينحسر، فجاء الرشق هذه المرة على شكلِ سيارةٍ مفخخة، ومَن يدري أين سيكون الرشق الخامس؟ ووفق أي صيغةٍ؟

والخطير أيضاً في ما يجري أن الإتهامات تسبق التحقيقات، فحزب الله لم يتهم أحداً على الفور، بل جاءت التُهَم جاهزة ومعلَّبة، منها ما يستند إلى معلومات وإنْ كانت أولية، ومنها ما لا يستند إلى أي شيء فتتحوَّل إلى إتهامات وجهة نظر. الإنفجار مِمَن له عداءٌ مستحكمٌ مع حزب الله، فهل هي مصادفة أن يقع الإنفجار غداة ذكرى انتهاء حرب تموز 2006 من دون أن تُحقِّق فيها إسرائيل الأهداف التي من أجلها خاضت تلك الحرب؟ إسرائيل بالتأكيد تريد أن تنتقم من لبنان ومن حزب الله في آن، ولكن إذا كان التفجير من عمل إنتحاري، فهل من أساليب إسرائيل الأعمال الإنتحارية أم هو من أسلوب من جهة أخرى؟ كلُّها تقديرات، لكن المعلومات المتداولة والمعروفة من الجميع ان الإنفجارات لن تتوقف في الوقت الراهن والضائع قبل حسم الوضع الإقليمي الذي يبدو طويلاً جداً.

إلى أن تنجلي الامور ، لا بد من صرخةٍ مدوِّية : إلى متى سيبقى المواطنون العاديون والناس الابرياء يدفعون الثمن ؟ ما ذنب الناس الذين كانوا في الطرقات يركضون وراء تأمين لقمة العيش لأبنائهم ؟ هل ذنبهم أنهم يريدون أن يعيشوا حياةً هانئة كريمة في وطنهم؟
نضم صوتنا إلى أصوات المستنكِرين الصادقين ، ولكن هل الإستنكار وحده يكفي؟

بالتأكيد الاستنكار لا يكفي لأن المطلوب الإنطلاق من المجزرة التي ارتُكِبت ، وهي بالمناسبة مجزرة وليس أقل من ذلك ، لأخذ المبادرة وليس البقاء في موقع ردة الفعل . وأخذ المبادرة يعني مكافحة الإرهاب قبل وصوله إلى كافة الاحياء والشوارع فلبنان برمته مستهدف والقصد من كل عمليات التفجير هي الفتنة التي يأبى كل لبناني ان يجري وراءها. وهذه المهمة هي مهمة الدولة أولاً وأخيراً وهي قد باشرت بتحمل مسؤوليتها من خلال كشفها خيوط مهمة للعمليات الارهابية التي حصلت قبل المجزرة الاخيرة.
هذه المسؤولية المطلوبة من الدولة يُفتَرَض ان تكون في الاولوية خصوصاً أن كل المؤشرات والمعطيات تقول إننا أمام مرحلة جديدة عنوانها المزيد من التفجيرات لاحداث فتنة بين اللبنانيين.

بعد هذا التحليل كله الا يفكر المسؤولون والسياسيون ان يتكاتفوا جدياً ولو لمرة واحدة وان يجنبوا الناس كل الناس أينما وجدوا بتأليف حكومة على قدر المرحلة، أهذا كثير نطلبه ممن يعتبرون انفسهم معنيين في لبنان؟
 

Email