الأوطان والإنسان أبقى وأهم من التخويف بالصواريخ

ت + ت - الحجم الطبيعي

حمى الله لبنان وحمى أبناءه...
حمى الله لبنان وطن الإنسان، وحمى أبناءه الذين هُم بناةُ الإنسانية...
حمى الله دولة لبنان لأن لا حياة لوطن من دون دولة...
وحمى الله شعب لبنان لأن لا حياة لوطن من دون شعب.


العناية الإلهية لم تحمِ لبنان فحسب بل انقذته من كارثة كادت أن تكون محققة، فالصاروخين اللذين سقطا في منطقة اليرزة - بعبدا، وأصاب احدهما حديقة منزل شقيقي بسام حفظه الله فيما تمّ التداول في وسائل الإعلام على انه في منزلي، ولهذا منذ صدور الخبر لغاية كتابة هذه السطور، انهمرت عليَّ الإتصالات للإطمئنان علماً انني في إمارة أبو ظبي، وصلتُ إليها قبل يوم من حادثة سقوط الصاروخ، وما الإتصالات التي انهمرت عليَّ سوى عاطفة كبيرة من اللبنانيين والأشقاء العرب، سواء منهم المسؤولون أم المواطنون العاديون والذين مهما فعلت لا استطيع أن أرد لهم مقدار عاطفتهم.


الصاروخ الثاني الذي سقط مجاور لمنزل السفير السعودي والأهم لنادي الضباط، وهكذا يكون قد أخطأ الهدف أي نادي الضباط، وقد كان مزدحماً بالتلامذة الضباط الذين كانوا يحتفلون بتخرجهم.
تصوروا، لا سمح الله، لو ان هذا الصاروخ أصاب نادي الضباط المتواجد فيه 200 ضابط، فأي كارثة كانت ستقع؟
وأي ضرر كان سيُصيب الوطن؟
نحنُ أضرارنا ثانوية قياساً على أي أضرار في الأرواح، فالمنازل تُعوّض والأضرار تُصلَّح، ولكن مَن يُعوِّض الإنسان إذا سقط؟
ومَن يُعوِّض عسكري أو ضابط إذا استشهد؟


لحظة ورد لي خبر سقوط الصاروخ راح تفكيري مباشرةً إلى نادي الضباط، فحمدتُ الله أن الصاروخ أصاب الحجر عندنا ولم يُصِب البشر في جوارنا، فكل ضرر بالحجر يبقى سهلاً لأن يد الإنسان تبقى قادرة على إصلاحه.


لكن ماذا في المغزى السياسي لهذا الهجوم الصاروخي؟
وما هي الرسائل السياسية من ورائه؟
هنا السياسة يُفتَرض أن تنتظر التحقيقات الأمنية، لكن لا بد من التذكير بأنه في العشرين من حزيران الماضي سقط صاروخ من نوع غراد في منطقة الجمهور، إنطلق من بلدة بلونة الكسروانية. هنا يقول وزير الداخلية العميد مروان شربل إن الصواريخ التي أطلقت على اليرزة هي نفسها التي أطلقت من بلونة باتجاه الجمهور.


هنا يكبر السؤال:
أيُّ رسالةٍ كانت بالأمس؟
وأيُّ رسالةٍ هي اليوم؟
الرسائل مفتوحة على كل الإحتمالات والأجوبة كذلك:
هل هذه الصواريخ هي الجواب على الخطاب الرئاسي في عيد الجيش؟


هل هي من فعل طرفٍ ثالث أو طابورٍ خامس لإحداثِ وقيعة بين اللبنانيين؟


هل هي إيذانٌ بمرحلةٍ جديدة عنوانها التخاطب بالصواريخ بدل التخاطب بالسياسة؟


قبل انجلاء التحقيقات، كل الأسئلة مباحة ومتاحة، وفي الإنتظار لا بد من التفكير ملياً في هذه الحادثة وفي عِبَرها، ومن أهم هذه العِبَر:
الأمن بيئة وأجواء قبل أن يكون إجراءات إحترازية، فلا إجراءً إحترازياً فاعلاً ما لم توفره بيئة سياسية مستقرة.


التهويل بالصواريخ لم يعُد يُخيف اللبنانيين فلكل منزل تجربته مع التهويل ولم يتراجع، المؤكد أنه أخطأ العنوان لكنه زادنا قناعةً بوطننا ورسوخاً بأرضنا، فعيشُنا فيه حكاية صمود يومي رغم كل المعاناة والإضطراب وأحياناً الإضطهاد، لكن مع ذلك بسيطة، إنها ضريبة العيش في وطنٍ هو جنتنا على الأرض.


ألم يُستَهدَف قبل ذلك دار الصياد في الحروب المتتالية والمتعاقبة؟


صحيح ان الرسائل آنذاك ربما أخطأت العنوان، لكن كيف واجهنا؟


هل بالهروب أم بالصمود وبإعادة البناء والتقدم؟


هكذا سنفعل اليوم:
لن نهرب، لن نتراجع، لكن المهم لدولتنا ألا تتهرب أو تتراجع أو تتخاذل.
 

Email