حتى لا تعطش مصر.. والسودان!!

ت + ت - الحجم الطبيعي

    جميع الاحتمالات مفتوحة على المفاجآت، وخاصة فيما يتعلق بالمياه، ويأتي موضوع بناء سد النهضة في أثيوبيا، ليضيف موقفاً خطيراً على مصر والسودان في مستقبل السنين، وطالما لم تصبح الاتفاقات الموقعة عام ١٩٢٩م في تقاسم المياه سارية المفعول فإن اتخاذ قرار بناء السد من قبل أثيوبيا ودون النظر للدول المتضررة، قد يفتح حرباً عسكرية تصبح نتائجها غير متوقعة، لأن المسألة تتعدى قضايا الحقوق، إلى الاحتكار، وبالتالي فمصر والسودان عليهما توحيد موقفيهما ونسيان الخلافات الجزئية على اتجاهات سياسية، أو قضايا حدود، على اعتبار أن خطوة أثيوبيا جرس إنذار للبلدين..

المشكل في البلدين العربيين أن الانقسامات الداخلية، واتساع دائرة الخلافات بين الفصائل الحزبية والسياسية، كانا السبب في استغلال ضعفهما واتخاذ قرار بناء السد، وعلى هذا الأساس، فالموقف لا يحتمل خلافاتٍ أو إلقاء اللوم على طرف داخلي أو خارجي، وإسرائيل لا تخفي نواياها في لعب الدور الخلفي والداعم لخلق أزمات بالجوانب الحيوية في حياة البلدين العربيين، فهما بلدا مصب، ومن يتحكم في المنبع فإنه يستطيع فرض شروطه، وقائمة مطالبه، ومصر، وإن ابتعدت عن دورها المؤثر عربياً وأفريقياً، فهي ليست في الموقف الذي تقف فيه عاجزة عما يهدد أمن وجودها، وطالما هناك مواثيق واتفاقات ملزمة، فالموقف الدولي لن يعطيك أكثر من إصدار حكم لك أو ضدك، لكنه لا يتدخل في الحسم في هذه الأمور..

الحدث كبير، وبما أنه لا يزال في مراحل التنفيذ الأولى، فالدبلوماسية من موقع القوة منطق أساسي، وهذا يحتاج إلى شعور مصري - سوداني أن الخطر أكبر من المعالجة بالمسكنات، فطرح الموقف بشكل جاد، ربما يغيّر مسار التصلب الأثيوبي، لأن القوة، السياسية والعسكرية تملكهما مصر والسودان، وفي حال وجود تنسيق مبكر، فقد يعطي هذا دافعاً لأن تجد أثيوبيا نفسها في موقف أكثر خطراً، خاصة وأن تحريك الصومال وأريتريا، والقبائل في داخل أثيوبيا التي تعيش اضطهاداً دينياً، وتفرقة عنصرية أسلحة يمكن استخدامها، أسوة بما تريد أن تفعله إسرائيل مع جنوب السودان أو مع أثيوبيا..

الثورة المصرية غيّرت شكل النظام، ولكنها تحتاج إلى رؤية موضوعية في خلق مصالحات ليس من أجل حزب أو فئة، أو طائفة، بل من أجل مصر الكيان التاريخي الذي يجب أن لا يرتهن إلى واقع المهزوم أمام خصومه، ولعل تحريك مسألة مياه النيل هو الأخطر بين كل التحديات لأن مصر بدون هذا النهر ستكون مجرد صحراء، وشعب يتعرض للفناء، وهذا ليس تهويلاً، لكنه الواقع الذي تريد إسرائيل وغيرها حصارها بما هو أكثر خطورة من أي تحد آخر..

في الدول المتقدمة وغيرها، هناك اتفاقات بتقاسم المياه بين المصدر، والمصب، لكننا في عالمٍ ثالث لا يتقيد بالقوانين، فالاحتمالات مفتوحة على أكثر من أزمة خطيرة..
 

Email