المالكي.. داعية أم رئيس دولة؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

    من غير المنطقي الأخذ بالاعتبار تلك المقولة عن العراق.. أنه أرض الشقاق والنفاق وهو باني حضارة تاريخية كانت واحدة من أكبر الاضاءات في التاريخ الإنساني التي مهدت لانتقال البشرية من البدائية إلى تأسيس الدولة بقوانينها، ومعارفها وكيانها..

العراق منذ الخمسينات بُلي بشيوعيي عبدالكريم قاسم الذين شرعوا للقتل من أجل انتصار الثورة العالمية وحكم «البروليتاريا» ، ثم العنصر القومي العربي من «العارفَين» عبدالسلام وعبدالرحمن، ورغم محاولتهما خلق كيان تعيش فيه كل الأحزاب إلاّ أن الأول مات بسقوط طائرة «هليوكبتر» بشكل غامض أثناء تفقده للجنوب العراقي، وخلفه أخوه عبدالرحمن الذي انقلب عليه البعث..

صدام حكم العراق بما يشبه الانقلاب الأبيض على البكر، ولكنه كان حاكماً مستبداً ودموياً، ومع ذلك لم يكن طائفياً، ولكنه أغرق العراق بالمغامرات والحروب إلى أن انتهى بغزو بلده واحتلاله، ليأتي رئيس دولة، يعقبه نوري المالكي الذي أعاد استنساخ حكم صدام ولكن من خلال طائفته، وجاءت المذابح لتتوجه إلى خلق فوضى بين كل الأطياف، لكن ما هو مثير للجدل داخل وخارج العراق، لماذا أصبحت التفجيرات وتضاعفها جزءا من غموض كشفها في دولة المالكي، ولم تعد العمليات تقتص من فئة أو طائفة دون أخرى وهذا الغموض العجيب، وضع السلطة أنها المتسبب في هذه التورط لأهداف يجهلها الرأي العام، ويعرفها القريب من الحكم بأنها تنفيذ لأجندات مختلفة اختلط فيها هدف المالكي مع الهدف الإيراني..

ثورة السنة، إن صح التعبير جاءت نتيجة ممارسات متعمدة، أي أن سياسة الفصل بين المجتمع بطوائفه وعشائره وقومياته واستمرار العنف المستتر ليس إلاّ واقعاً أن طائفة واحدة يجب أن يكون لها السيادة، حتى جاءت المعارضة من بعض رموزها على هذا التوجه، لكن ما حدث في الأنبار وغيرها من اعتصامات واضرابات ودعوات لالتفاف عشائري معها، يؤكد أن الأمر فوق مسألة إدارة دولة بعقلية تعيش الماضي، ولعل دعوات المالكي، بعد أن شعر أن الورطة فوق ما كان يخطط له أن يصلي الشيعة والسنة في مسجد واحد يوم الجمعة، حدث بدون مبادرته، بل هو من طالب برفض هذه الصلاة، وهذا أسلوب رجل دعوة، لا رئيس وزراء دولة فيها مقومات خلق كيان يمتلك كل الشروط لتعايش الجميع وتوفير مستلزمات حياتهم والنهوض ببلدهم..

وضع العراق الحالي، بات قريباً من حالة سوريا، أي أن شبح الحرب الأهلية وعدم الاستقرار وتوالي الصدمات، سببه أن الحكومة سارت بهدف احتكار السلطة تحت مظلة فئة واحدة، وعندما وجدت نفسها عاجزة أن توفر الأمن للجميع أخذت بأسلوب الوعيد والتهديد، ولما لم يكن الأسلوب الحكيم والأمثل، بدأت تزن الأمور في رؤية البائع الذي لا يملك البضاعة، أي إعطاء بعض الأطراف التطمينات، التي يعقبها نقض تلك الوعود، وبذلك انعدمت الثقة بحكومة المالكي، وصارت الريبة هي الواقع ليأتي توزيع العراق كأقاليم ثلاثة للسنة والشيعة والأكراد حقيقة هيأ لها المالكي، وأصبحت أمراً واقعاً سيجعله فقط حاكماً على جزء من عراق ولكنه غير مستقر.
 

Email