... وهي باخرةٌ صالحة وكنزٌ لا يفنى!

ت + ت - الحجم الطبيعي

فعلاً من أين نبدأ؟
عتمةٌ في المغارة. فاطمة غول صامتة في الداخل. حكومة التصريف، بوزير عدلها الوطني الحر، نائية. وحكومة التأليف تائهة...وحدها مؤسسة الكهرباء أرادت تبرئة الذمة، وصاحب الفخامة طالب التفتيش المركزي بتحديد المسؤوليات. لكنه تأخّر أسبوعين.

البعض يقول

: التأخُّر طبيعي. فالكهرباء لا تنقطع عن القصر.

لكن الناس يدفعون ثمن التلزيمات، ويتحمَّلون التقنين، وترهقهم الفواتير والمولدات، وتقتلهم الأسئلة:

قبل كل شيء، مَن سيعيد أموالنا التي صُرفت لمصلحة الطاقة، دفعةً أولى للشركة التركية، وقيمتها 120 مليون دولار، من أصل 392.6 مليوناً؟

ومن هي الجهة القضائية أو الرقابية التي ستتولى هذه المسؤولية؟

هناك واحدٌ من طرفي الفضيحة يتحمل المسؤولية وعليه التعويض. وقد يتقاسمان المسؤولية معاً، وفقاً لما يحدده القضاء.

المعنيون في القطاع يقولون:
إنه الفيول. فنوعيته المستعملة في لبنان تناسب المعدات القديمة، لكن المولدات الحديثة المرهفة المواسير لا تتحملها. وفي الفترة التجريبية، وافقت الشركة على هذه النوعية لإعتقادها بأنها مقبولة، ولكن سرعان ما بدأت المولدات تعاني. فأرسلت الشركة إبلاغاً إلى مؤسسة الكهرباء، ثم أوقفت العمل.
يضيف المعنيون:

لا مشكلة اليوم لدى المؤسسة في تزويد الباخرة بمادة الفيول الملائمة، أي الفيول الأخضر، بل المشكلة في أن الوزارة ستحتاج إلى ثلاثة أسابيع على الأقل لإستيرادها، بعد الإتفاق مع دولة مصدّرة. إلاّ إذا صودف وجود بواخر محمّلة بالمخزونات، وقادرة على الوصول سريعاً.

وحتى ذلك الحين، ستبقى الباخرة متوقفة عن العمل. وستكون هناك أزمة متعددة الجوانب:

على عاتق مَن إصلاح الأعطال الناتجة عن رداءة الفيول، ومَن يتحمَل المسؤولية عن الخسائر:

الشركة التي وافقت على الفيول في المرحلة التجريبية، أم الجانب اللبناني الذي زوّدها بنوعية فيول تخرِّب المولدات؟

وعلى مَن تقع مسؤولية الأضرار الناتجة عن توقف الباخرة لأسابيع أو أشهر؟

ومَِن سيدفع الفارق في أسعار الفيول؟

وهل سينتقل النزاع إلى المحاكم؟

والعقد عينه يخبئ لغماً عند التفصيل في نوعية الفيول. فهو ينص على الآتي:

- إذا كانت نوعية الفيول مقبولة، ولكنها دون المستوى الموعود، يمكن للشركة أن تعمد إلى تعديل معايير إستهلاك الفيول والفاعلية لتتناسب مع هذه النوعية.

- وإذا لم يكن الفيول ملائماً تماماً لمعايير العقد، يمكن للشركة أن ترفضه، وعندئذٍ يكون الجانب اللبناني مسؤولاً عن استبداله.

- ويكون الجانب اللبناني وحده المسؤول إذا تأخر إنتاج الكهرباء بسبب نوعية الفيول.

وهذه البنود المطّاطة من شأنها إضاعة المسؤوليات. فهل كانت مقصودة؟

فوق ذلك، الخبراء يشيرون إلى أن المولدات التي تستعملها الباخرة في توليد الطاقة هي من نوع MAN، وهي تخالف شروط المناقصة، إذ لم يسبق لها أن أنتجت أكثر من 80 ميغاواط. والمثير أن هذا النوع هو عينه الذي سيجري تركيبه عند تأهيل معملي الذوق والجية... بعد عمرٍ طويل!

هنا تُطرح مسألة أخرى:

فقد بُحَّ صوتُ المعارضة وهي تحذِّر من التعاقد مع شركة ذات سمعة سيئة في الإخلال بالعقود، وسجلّها حافل بالدعاوى في دول عدة. وعندما وقَّعت شركة كاردنيز هذا العقد، لم تستطع استقدام باخرتها من باكستان، بسبب إحتجازها في دعوى قضائية ضدها. فعمدت الشركة إلى تصنيع فاطمة غول بطريقة متسرعة، ومن دون إجراء تجارب عملية عليها، فوقع المحظور.
والآن إلى أين:
هل تستطيع هيئات الرقابة مواجهة فقط فضيحة الباخرة فيما الفساد يستشري أينما كان؟

وأما التفتيش المركزي الذي دعاه فخامة الرئيس سليمان إلى التدخل فيحتاج إلى هيئة تفتيش. ومنذ إنشائه عام 1959، تضاعف حجم الإدارة، لكن حجم المفتشين تراجع إلى النصف، ما يعوق العمل الرقابي. والتقرير الأخير للتفتيش أشار إلى انخفاض مطّرد

في عدد العقوبات التي يتخذها سنوياً:

143 في 2011، 200 في 2010، 215 في 2009 و191 في 2008.

وعلى رغم مناشدات رئيس الهيئة القاضي جورج عواد، فالمشاريع المطروحة لتطويرها يبقيها السياسيون في الأدراج، ليأخذوا راحتهم في الهدر والفوضى. ولا تتضمن التقارير السنوية لهيئة التفتيش سوى جزء صغير من الشكاوى والفضائح التي يتداولها المواطنون يومياً. ومن هنا، لا آمال حقيقية يمكن تعليقها على التفتيش في ملف الباخرة.
وأما التحكيم الدولي فيجب أن يبادر إليه أحد طرفي العقد:

الشركة التركية أو الدولة اللبنانية. وكانت مصادر الشركة قد ألمحت إلى إمكان اللجوء إلى هذا الخيار، لكنها تراجعت.

والخوف هو في أن يجري لفلفة الملف، فلا يصل إلى أي مرجعية تحكيمية، فيما الحكومة مستقيلة والمجلس النيابي منشغل بالبحث عن تمديد الولاية... وهكذا يمدِّدون أيضاً للفضيحة!

وعلى سيرة الفضائح، تتحدث مصادر المعارضة عن فضيحة جديدة في حرم الذوق أيضاً:

فقد لُزِّم تفكيك معمل الإنتاج القديم، من دون مشاركة مؤسسة الكهرباء، علماً انها مالكة المعدات، ويُفترض أن تساهم في إعداد دفتر الشروط.

والتلزيم رسا على مُقاول بقيمة مئة ألف دولار، على أن يأخذ المقاول الخردة من المعمل. ولكن تبيَّن أن الخردة تحتوي على كمية دسمة من النحاس. وإذ فوجئت المؤسسة بالأمر، تدخلت لمنع إخراج الموجودات، لكن المقاول إستطاع إخراج بعضها.
وكل معمل وباخرة ونحن بألف خير! 
 
 

Email