غولٌ يبتلع فاطمة غول... ومرحبا فيول

ت + ت - الحجم الطبيعي

من دون لفّ ودوران، أخبِرونا: ماذا جرى في ليلة القبض على فاطمة!

في عيد مار جرجس، هناك غول إبتلع الباخرة فاطمة غول، المرميّة حزينةً على رمال الزوق. وفي المناسبة، هناك على مقربة من المكان، في خليج جونيه، مغارة يزورها المؤمنون ويكرّمون فيها مار جرجس، الشاب الذي أنقذ المدينة من براثن التنين أو الغول... لكن غول الباخرة فاطمة غول يبدو أنه حيٌّ... ويُرزَق، والأهم أنه يُرزَق ويأمل في أن يُرزَق دائماً!

حصل ذلك فجأة مع السيدة غول، ولم تكن قد أكملت أسابيعها الثلاثة في وِصال المعمل الحراري.

ويومَ أشعلَت فاطمة محركاتها، ونفثت دواخينها ال 11، قطف وزير الطاقة ما في طاقته من ثمار. وزّع الوعود والحلوى التركية، ممزوجة برائحة الفيول: في البواخر خلاصُكم يا لبنانيون!

ولكن فجأة، إنطفأت 10 دواخين، والباقي ينازع. ووعود ال 180 ميغاواط هبطت تحت ال 15. يُقال - حسب مصادر - إنه فساد الفيول.

في الوزارة صامتون، كأنّ على رؤوسهم الطير. إجتماعات مع شركة كاردنيز، صاحبة الباخرة. بيان موعود لشرح كل شيء. ولكن هيهات البيان.

الشركة التركية تتململ. أوساطها تسرّب: زوّدونا بفيول غير نظيف أوقفَ المحركات. وسبق أن حذرناهم من العواقب، بكتاب رسمي. ويتردد أنّ عينات من الفيول سترسل الى الولايات المتحدة لدرسها، وسيصل خبراء أتراك للمتابعة. والأمر قد يتحوّل نزاعاً قضائياً بين الشركة والوزارة.

في أي حال، فيول غير نظيف: هذا ليس مستغرباً. ففي لبنان يغسلون الأموال، ولم يوفّقوا بعد بغسل الفيول. وأما إطفاء المحركات، فيذكّر بمحركات الرئيس تمام سلام التي أطفأها أيضاً، وتزامناً، لتأليف الحكومة بلا ضجيج أو دخان ملوّث!

تقول مصادر: إنها قصة فيول... على حقائب وحصص وزارية... وغير وزارية تستأهل بذل الطاقة للإحتفاظ بها.

تقول مصادر أيضاً: الوزير يُعاقب الذين يريدون إنتزاعه من الطاقة. يريد، إذا أخرجوه من الباب، أن يعود من الطاقة. هو يريد إفهامهم: فاطمة جاءت معي وتذهب معي، يداً بيد. إما أنا والكهرباء معاً، وإما لا أنا ولا الكهرباء معاً!
 

قول مصادر اخرى، أساساً كانت إقامة فاطمة غير طبيعية. لم تحسب حساباً لفيول الزمان. وبالخلاف على الحكومة ومن دونه كانت فاطمة ستنتهي الى اليأس. فالغاية منها تحققت: عقود واتفاقات...

وتقول مصادر اخرى: ربما هناك بنودٌ في العقد الموقّع يرغب البعض في تطييرها، فأطلقّ ذريعة الفيول، أو جاء مَن يساعده على خلق الذريعة.

اللبنانيون إنتظروا فاطمة طويلاً، وصُرِفَت لها الأموال: 120 مليون دولار دفعة أولى. والآن يسألون: أين أموالنا؟ ومَن المسؤول عن الفيول غير الملائم، وعن تعطيل المولدات، ومَن يتحمل الخسائر؟ الوزارة أم مؤسسة الكهرباء، و... ماذا جرى ليلة القبض على فاطمة؟

العقد يتضمن بنداً جزائياً: 180 ألف دولار تدفعها الشركة غرامة عن كل يوم تأخير، و1500 دولار عن كل ميغاواط ينخفض عن المتفق عليه، ونصف مليون دولار عن كل 1% من الطاقة يتدنّى عن مندرجات العقد.

فإذا كانت الوزارة تتنصّل من المسؤولية، لماذا لا تُسارع الى تحميلها للشركة وتُلزِمها بالعطل والضرر؟

كاردنيز لها سوابق كان الوزير يعرفها مسبقاً. فالحكومة الباكستانية طالبتها بتعويضات لإخلالها باتفاق على توليد الطاقة في حدود 230 ميغاواط، لكن الباخرة كاي باي شقيقة فاطمة لم تنتج منها سوى 60. وكانت باكستان سلّفت الشركة 80 مليون دولار، ولم تتمكّن من إستعادة أكثر من 17 مليوناً، والباقي ذاب في مياه المحيط. فهل دخلنا أيضاً في المسلك الباكستاني الذي حذّر منه الكثيرون، قبل أن يربح الوزير قلب الرئيس نجيب ميقاتي في عشاء الرابية السرّي؟

وفيما الباخرة الاولى فاطمة شبه معطلة قبالة الزوق، فشقيقتها المنتظَر ربطها بمعمل الجية، لتنتج 90 ميغاواط، ما زالت عند أهلها. ومن نيسان، تأجّل وصولها الى حزيران، على الأقل.

فوق ذلك، البيئيون أبلغوا وزارة الطاقة وكهرباء لبنان تقارير عن مخاطر صحية ل فاطمة وشقيقتها الآتية الى الجية، سواء على السكان ورواد المنتجعات لكيلومترات عدة، أم على الثروة السمكية التي تلوّثها المواد الكيميائية المتسربة الى البحر. وأما الحقل المغناطيسي العالي الناتج عن المولدات فيؤرق الأهالي، كما في نموذج التوتر العالي الذي يُصارع باسيل لتمريره في المنصورية.

كل ذلك، وبإصرار وزير الطاقة يصرّف الأعمال بإنشاء وحدة ادارية لمنشآت النفط في طرابلس والزهراني، وتعيين موظفين لهما، وبحفر الرخامات التي تخلّد مروره على السدود، ونشر البانويات على الاوتسترادات: لبنان بلد نفطي... سيعود أولادنا، ولن نهاجر بعد اليوم!

لو كانت المشكلة في الموارد، لكان ذلك صحيحاً. لكن المشكلة التي تُهجّر أولادنا وتُسبب الفقر للعائلات ليست الموارد بل من الفساد عبر العهود.

الفساد الذي أكل الدولة والناس والمؤسسات والكهرباء، وشرب الفيول في الخزانات، وسيسحب الفيول الموعود من الآبار ما إن يطلّ برأسه من تحت الماء.

الفساد الذي لكم من بعده طول البقاء!

 
 

Email