سعد الحريري رجل دولة في زمن الزواريب والعصبيات

ت + ت - الحجم الطبيعي

ككل مواطن لبناني، مقيم أو مغترب، تابعتُ بتركيز وبتمعُّن، المقابلة التلفزيونية لزعيم تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري. كالمكتوب الذي يُقرأ من عنوانه، أعادت المقابلة، ومنذ اللحظة الأولى لبدئها، الروح إلى ثورة الأرز بصرف النظر عمن إستمر فيها أو تخلَّف عن اللحاق بها أو نزل منها في منتصف الطريق، فالقافلة تسير...

لم تكن مقابلة بالمعنى العادي والتقليدي والمتعارف عليه بل كانت غوصاً في التاريخ اللبناني وفي الوجدان اللبناني، فأنعشت العراقة اللبنانية في السياسة الراقية القائمة على الإعتدال وليس على التطرف.

ليس من باب الصدفة أن يقول الزعيم الشاب أن لبنان في العام 2020، أي بعد سبع سنوات، سيحتفل بمرور مئة سنة على دولة لبنان الكبير، التي أعلنها البطريرك حويك عام 1920. لقد كان في قمة النباهة السياسية حين أنعش الذاكرة بهذه المحطة التاريخية ليستخلص أن طموح أكثرية اللبنانيين ليس بالعودة بهذه المناسبة المئوية إلى دولة لبنان الصغير، أو إلى أي صيغة تقيم الحدود السياسية بين العائلات الروحية، بل طموحه كما طموح أكثرية اللبنانيين هو أن نحتفل في مئوية إنشاء لبنان بقيام دولة لبنان الكبير المدنية.

هكذا هذا الزعيم الشاب يدخل التاريخ من بابه الكبير، باب لبنان الكبير، فمَن عندذاك يُفكِّر في الصغائر كالقانون الأرثوذكسي الذي يُعيد لبنان إلى القرن التاسع عشر في مرحلة القائمقاميتين أو المتصرفية بين العامين 1842 و1860! هل اللبنانيون يريدون العودة قرنين إلى الوراء؟

لقد إلتقط الرئيس سعد الحريري موجة جيل الشباب من بابين:

باب لبنان الكبير غير المشرذم أو المقسَّم، وباب الزواج المدني، إنها جرأة ما بعدها جرأة أن يُقدِم زعيمٌ سنيٌّ على القول في الزواج المدني:

موضوع الزواج المدني عليه خلاف بين اللبنانيين، وأنا شخصياً أتمنى ان يسير هذا الموضوع، ولكن يجب ان يكون هناك حوار حقيقي بين اللبنانيين. بالنسبة لي لن أقبل بأن يتزوج أولادي زواجاً مدنياً، ولكن أنا أمثّل اللبنانيين ولا يغالي عليَّ أحد في هذا الموضوع، فأتحدى من يفكر أنه مسلم أكثر مني.

مَن يجرؤ على قول مثل هذا الكلام اليوم؟

وحده رجل الدولة الذي يجرؤ عليه، فهو بهذه المقاربة على خطى والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي سُئل يوماً:

هل تشعر بالفخر لأنك أصبحت بسرعة أحد زعماء السنَّة في لبنان؟
إبتسم وأجاب:

لا يحتاج لبنان إلى مزيدٍ من الزعماء بل إلى رجال دولة.

لعل الرئيس سعد الحريري مُدرِكٌ لهذه الحقيقة وهو لذلك يتصرف كرجل دولة وليس فقط كزعيم، علماً أن لبنان اليوم يفتقد إلى الصنفَيْن معاً، عدا قلة قليلة جداً.

بعد كل هذا الكلام، هل يبقى شيءٌ لقانون الإنتخابات النيابية؟

لا تتحقق الأحلام بالقانون الأرثوذكسي، هذا ما كان الرئيس سعد الحريري حازماً وحاسماً فيه. لقد تصرف كالرجال التاريخيين أمثال رجال الإستقلال وفي مقدمهم بشارة الخوري الذي إنتشل المسيحيين من أحضان الغرب، وها هو سعد الحريري اليوم يعيد إحياء لبنان أولاً التي تعني:
لا شرق ولا غرب بل لبنان فقط.

كلام الرئيس سعد الحريري أعاد النقاش إلى مستواه اللائق وأخرجه من الزواريب الضيقة والحسابات الأضيق نحو المدى الأرحب، فهل من جريء في الطرف الآخر يلاقيه في منتصف الطريق؟

 
 

Email