الخلاص بالدائرة الواحدة والصوت الواحد

ت + ت - الحجم الطبيعي

في بيتنا أزمة؟ نعم في بيتنا أزمة، وبيتنا هو الجامع الشامل لكل منظومة الحكم في الكويت. بدءا من الأسرة وانتهاء بعموم الشعب مرورا بالمؤسسات والنخب والتيارات.

تميز الحكم تاريخيا في الكويت عن سائر أنظمة المنطقة بأنه لم يأت بحد السيف بل بالتوافق بين أهلها وآل الصباح. وبقي التوافق سيد الأحكام رغم كل المطبات التي عبرتها مسيرة الوطن. هذا التوافق سمح بـ «كلمة سر» تخرج دائما في النهايات وتبقي على العهد والعقد بين الأسرة والكويتيين وتفتح صفحة جديدة من الاستقرار وتسمح بتطوير النظام القائم نحو الافضل.

في خمسينيات القرن الماضي مثلا، مرت الكويت بفترة اضطراب قوية أدت إلى تكوين معسكرين كبيرين أحدهما من صقور الأسرة الذين تجمعوا وكانت لهم كلمة مؤثرة وثانيهما من صقور التيارات السياسية الذين كوّنوا قاعدة شعبية عريضة نادت بالاصلاح وتغيير السياسات، من دون أن نغفل طبعا عصف العوامل الاقليمية آنذاك.
يومها، خرجت «كلمة السر» من المغفور له الشيخ عبد الله السالم بعد التشاور مع رموز الكويت، إذ قرر انشاء المجلس التأسيسي وترك لاهل الكويت مهمة وضع الدستور وتشكيل النظام الحديث. هذا «الممر الآمن» من الأزمة أدى إلى تطوير النظام السياسي وإلى الالتفاف أكثر حول شرعية أسرة الحكم وإلى الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، بل حصّن شرعية آل الصباح في الحكم للسنوات الخمسين التي تلت.

اليوم، في بيتنا أزمة. وضع غير مستقر سياسيا وهوة تكبر (أو يراد لها أن تكبر) بين السلطة والشعب. ظروف إقليمية مؤججة. أوضاع داخلية مؤلمة. ووضع أسرة الحكم تحديدا لا يبشر بالخير نتيجة شهية بعض أبنائها المفتوحة على سياسة «الأرض المحروقة» فقط من أجل المناصب والكراسي والسلطة. اليوم عنوان الأزمة حكم المحكمة الدستورية أو النظام الانتخابي الجديد لكن المضمون أعمق بكثير من ذلك.

النظام الانتخابي الكويتي تغير أكثر من مرة، تارة اعتمدت الدوائر العشر وطورا الـ 25 واليوم الخمس. المحكمة الدستورية ستعطي حكما في قانون الانتخاب الحالي، واذا صدر سلبيا كما هو متوقع فقرار التغيير بيد النظام... وسيحسب أي تغيير عليك يا نظام.

أي تغيير لقانون الانتخاب لن يحظى بتوافق شعبي عام، فهو سيرضي فئة وسيغضب أخرى.
لذلك فكرة النار متجهة اليوم صوب النظام فإما أن يتلقفها بالطريقة السابقة نفسها فيحرق يديه وإما أن يبردها قبل أن تصل فيتلقفها بهدوء وروية ويعيد صياغة المرحلة بالشكل الذي يحصن وجوده ويعيد الاستقرار ويؤسس لمرحلة انتقالية تحمل من التطوير الشيء الكثير.

لم نعد نريد للنظام ان ينشغل بمعارك داخلية سواء افتعلها هو أو استدرج إليها، ونحن صادقون في ما نقول لأن المطلوب منه أن يقود بالعدل والروية والرؤية والحكمة والبصيرة وأن يعتمد سياسات متحضرة خلاقة متطورة. ولا نتمنى لهذا النظام الذي ارتضيناه ولا نرتضي سواه أن يشغله بعض «السفهاء» المحيطين به عن مهمته الأساسية ودفعه إلى مواجهات خاسرة... ونحن صادقون أكثر في هذا التمني.

الكرة الآن في ملعب النظام، فإن أراد أن يحصن الكويت ويحصن نفسه لعقود مقبلة مثلما فعل المغفور له الشيخ عبد الله السالم، فلا بد أن يعتمد مخرجا آمنا للأزمة الراهنة باعتماد حلول خلاقة ودائمة مثل الدائرة الانتخابية الواحدة والصوت الواحد. فهذا الحل لن يرضي البعض طبعا لكنه يقضي على أمراض كثيرة أنتجتها الأنظمة الانتخابية السابقة وأفرزت مآسي سياسية واجتماعية وتنموية.

طبعا، السلبيات لا تنتهي بين ليلة وضحاها لكنها في الدائرة الواحدة ستتضاءل حتى الانعدام أحيانا بالنسبة إلى المال الانتخابي والفرعيات والفزعات والتحزبات القبلية والطائفية والمذهبية. سيضطر النائب أن يكون فعلا ممثلا للأمة وليس للمنطقة والقبيلة والمذهب، وسيضطر المرشحون إلى التكتل والتقارب على أساس برامج وطنية لا على أساس الغرائز والعصبيات.

قد يقول قائل ان الدائرة الواحدة أفضل بنظام القوائم المغلقة، وهذا الأمر غير واقعي لاننا نفتقر إلى الاحزاب. وقد يقول آخر إن الانتخابات ستفرز واقعا على الأرض يكشف غالبيات معينة نتيجة سياسات الحكومة على مدار السنوات الخمسين السابقة، ونقول إن كل كويتي يصل إلى المجلس يمثلني ويمثل الأمة ومع ذلك فمعايير الغالبية والأقلية في ضوء التطور السياسي ستحددها مستقبلا مصالح العموم وليس الفئات. وقد يقول ثالث إن نظاماً انتخابياً كهذا سيفرض بالضرورة حكومة من رحم المجلس ونقول إن ذلك قد يكون مصدر قوة للنظام وليس مصدر ضعف وهو أمر تحدّده النتائج والاتفاقات السياسية والأطر الدستورية.

الدائرة الواحدة والصوت الواحد ستجعل الكويتي يتوجه إلى صندوق الاقتراع لاختيار أفضل من يراه... وأفضل من يراه ليس بالضرورة أفضل ما أراه وما تراه، والتجربة إذا أديرت بالشكل المطلوب ستسمح لاحقا بتنظيم الحياة الحزبية على قواعد تنموية برامجية لا على قواعد طائفية أو دينية أو قبلية، والاستقرار السياسي هو مصلحة للدولة وللمؤسسات وللشعب... لكنه مصلحة لاسرة الحكم بالقوة نفسها.

ويا أقطاب النظام، في الختام نقول إن القرار بيدكم الآن، نتمنى أن تبادروا إلى ما فيه خير الكويت والكويتيين قبل أن تفرض التطورات قراراتها على الجميع ويمكن ألا تكون في مصلحتكم ولا في مصلحة الكويت.

 
 

Email