والشعب يريد تطبيق القانون

ت + ت - الحجم الطبيعي

قاسم مشترك بين كل التطورات التي حصلت وتحصل في المنطقة، هو الرفض العارم للتجاوز على القانون بطرق مختلفة وتكوين دوائر فساد وتكسب غير مشروع. ناهيك طبعا عن غياب الحريات والديموقراطية والمشاركة في السلطة والتفاوت الكبير بين الطبقات والشلل المحظية التي تأكل الأخضر واليابس.


تطبيق القانون هو كلمة السر والحصانة والضمانة. يمكن لأي مسؤول في السلطة أن يقف بكل هيبة وقوة ويقول انه كان يطبق القانون وانه يجب أن يكافأ لا أن يحاسب على تطبيقه مهما كان ذلك متوافقا أو غير متوافق مع الأمزجة والمصالح. يمكنه أن ينام قرير العين مرتاح البال والضمير ولو كانت النتائج غير شعبية ففي النهاية القوانين منبثقة من سلطة الشعب وهي عقد تنظيمي لا يرضي بالضرورة الجميع لا في الكويت ولا في أي دولة في العالم.


بكل واقعية وبعيدا عن المبالغات والعواطف، نقول إن الكويت لا تشبه الا الكويت في نظامها وخصوصية العلاقة فيها بين الحاكم والمحكوم والشوط الكبير الذي قطعته في مسيرة الدولة وبناء المؤسسات. دولة سلطتها القضائية مستقلة الى الدرجة التي تصدر فيها احكاما تلغي قرارات صادرة بمراسيم أميرية والجميع ينفذ. دولة غنية بدستورها وقوانينها الناظمة لعمل السلطات ومختلف أوجه الحياة العامة، وغنية بإنسانها الذي أثبت في اصعب الظروف انه حارس الاستقرار والأمن والوحدة. هذا الإنسان الذي التف حول شرعيته وتمسك بأرضه ومارس حقوق المواطنة تمثيلا وترشيحا وانتخابا... يريد تطبيق القانون.


لا ندعي ان الكويتيين جميعا من جنس الملائكة ولا يوجد هذا الجنس أساسا في أي دولة في العالم والا لما كانت هناك قوانين وروادع وعقوبات ومؤسسات رقابية وعقابية واصلاحية، لكن الكويتي يمتلك في ظل الدستور الذي يظلله اقصى وسائل التعبير والاعتراض في إطار المؤسسات اذا كان مغبونا. هناك ديموقراطية واعلام حر ومجلس أمة ومنظمات مجتمع مدني وهيئات تظلم وشكاوى وقضاء، وهناك حيوية سياسية وتشريعية تسمح بتكوين رأي عام ضاغط لتعديل قوانين أو تطويرها. ولذلك فالآفاق امام الكويتيين غير مقفلة وبالتالي لا يوجد أي مبرر لدفعهم الى التحرك خارج إطار المؤسسات.


لا يوجد في الكويت طبعا شخص لا يحمل أي صفة يقرر ويهدد ويكدس الاموال في الخارج ويجلب مرتزقة ويسحب من الخزينة بلا رقيب أو حسيب كما حصل ويحصل في دول قريبة وبعيدة. لا يوجد تفرد في القرار ولا قمع. ولا يوجد من يتصرف في استثمارات الدولة الخارجية حسب اهوائه الشخصية. توجد تجاوزات؟ صحيح. فساد؟ صحيح. هدر للمال العام؟ صحيح. سرقات؟ صحيح. إنما في المقابل يوجد قانون والمطلوب فقط تطبيق القانون.


قضيتان رمزيتان لتطبيق القانون تمتا في الاسابيع الماضية يمكن ان تشكلا دلالتين على القدرة من جهة الدولة والاستجابة من جهة المواطن. الاولى مخالفات المنطقة الحرة في الشويخ والثانية منع الفوم في احتفالات الاعياد الوطنية. قرار سريع وتنفيذ أسرع. رقم قياسي في التنفيذ والاستجابة. طبعا كانت هناك تظلمات وهذه مكانها القضاء وربما يحكم بعكس ما تقرر ولكن القانون طبق. بينما هناك قوانين كثيرة لم تطبق رغم انها متخذة من سنوات، وقوانين اخرى تم الالتفاف على تطبيقها من خلال الاستنسابية خصوصا في موضوع «خدمة المجتمع».


نحتاج ثورة حقيقية في الذهنيات والأفكار والنهج تجاه تطبيق القانون كي نضيف الى التصنيف الحضاري للكويت مرتبة جديدة. فكر جديد يخجل معه الوزير أو المسؤول أو النائب قبل المواطن من تجاوز القانون. يخجل هؤلاء ان يتوسطوا لغير الاكفاء بالتوظيف فقط لانهم «من الربع» أو لاسقاط مخالفاتهم المرورية أو للتدخل والاعتداء على وكلاء واطباء رفضوا تمرير معاملة. بل ان التطبيق الصارم للقانون يحد من المذهبية والقبائلية والعشائرية فـ «الخدمات» تحت سقف القانون لا تحت سقف الواسطات. التطبيق الصارم للقانون هو الجسر الحقيقي للعبور الى دولة مدنية حديثة يكون التسابق فيها على الانتاج والعمل لا على الحشو العشوائي للتوظيف في الإدارات. تطبيق القانون على الكبير قبل الصغير يلغي ما امكن مشاعر التمييز والسخط والحنق ويفتح امام الشباب آفاق مستقبل مختلف.


الكويتيون يريدون تطبيق القانون ولا يريدون الفوضى. يريدون تحصين النظام لا إضعافه. يريدون التحرك من اجل مطالب تنموية خدماتية حياتية ولا يريدون المزايدات الشعبية أو الفئوية أو الشخصية. يريدون الاحتكام العلني الى الدستور في كل شيء ولا يريدون الصفقات المريبة والأجندات الخاصة والتسويات الظرفية المبنية على المصالح.


الكويتيون يريدون تطبيق القانون للعبور الى مستقبل وطني جامع تذوب معه كل الفروقات تحت علم واحد وشرعية واحدة ومرجعية واحدة ومجتمع مدني وإدارة حديثة ونهج متطور... وإذا ما استمر انتهاك القانون فألف ألف رحمة على الدستور وعلى غير الدستور.

 

Email