ماذا علينا أن ننتظر؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

أسئلة الجدوى، التي تحدثنا عنها في مقال الأمس، والتي باتت تحاصر معظمنا حيال ما نعيشه بسبب التطورات المتلاحقة (اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً) إضافة لثورة المعلومات والتكنولوجيا هي أسئلة عبثية في أساسها، وهي حلقة متصلة للأسئلة الوجودية الكبرى، التي حاصرت الإنسان وأدخلته في هذا القلق الكبير، الذي قاد البشرية للكثير من الانهيارات والهزائم!

لقد بدأت الأسئلة الوجودية الكبرى مع الفلاسفة الكبار في الغرب، ومع تيارات الحداثة، وما بعدها في الأدب والفلسفة، لكنها انتهت إلى مجرد أسئلة عبثية لم يصل الإنسان من خلالها لإجابات منقذة، بل إلى التشكيك في كل شيء، حتى بات العبث هو الجواب بالنسبة للكثيرين للأسف.

إن الوصول إلى هذا المستوى من التفكير يعني الدخول في ثقب فكري أسود، لا يرى للحياة معنى ولا هدفاً، حيث يصبح الخلاص من الحياة بالنسبة للبعض أمراً مبرراً بل ومنطقياً، لولا بعض الصلات الواهية أو الأهداف المحدودة، أما خيط الحياة المتين الذي يجعلهم يتمسكون بها مستشعرين جدوى وقيمة وجودهم وحياتهم فلا مكان له عندهم. إن أمثال هؤلاء يستحقون الشفقة بلا شك، لكن ما هو المخرج أو الحل؟

ما الذي يقود الإنسان لمثل هذا التفكير؟ ما الذي قاد الكثيرين لهذا التفكير العبثي كمرحلة من مراحل التحولات المجتمعية العالمية؟ إنه انهيار القيم، والتخلي عن الدين كسردية كبرى في تاريخ البشر، وكعامل أساس للتوازن والاستقرار النفسي، إضافة لسلسلة الحروب الكبرى التي طحنت العالم، وحصدت أرواح ملايين البشر بشكل عبثي لا مبرر له، إضافة لانهيار السرديات الكبرى التي آمن بها الإنسان، وناضل لأجلها: الأديان والتحرر والثورات الفكرية والاجتماعية المختلفة.

ما الذي تحتاجه البشرية لتستعيد اتزانها مجدداً، ولتقف بقدمين ثابتتين على الأرض وبثقة وإيمان؟ كيف يمكن للإنسان على الصعيد الفردي أن يستعيد ثقته بالمثل الكبرى وبالقيم بعد كل ما رآه وعايشه؟ وكما تساءل (بيتر فليمنغ) في كتابه «الأسوأ لم يأت بعد» هل علينا أن نأمل في غد أفضل بعد كل هذه الانهيارات أم انتظار الأسوأ؟ وعلى ماذا يجب أن نراهن يا ترى؟

 

Email