سؤال الجدوى!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في ظل التحولات الجذرية، التي أصابت بنية الحياة الثقافية والاجتماعية العامة في كل مكان حتى وصلت لجذورها، بسبب ثورة التكنولوجيا، والانفجار المعرفي الذي قدمته هذه التكنولوجيا للعالم، يقف معظمنا مشتتاً ومرتبكاً جداً، يطرح أسئلة لم تخطر بالبال يوماً، حول القيمة والجدوى من كل شيء، لقد أصبح من المعتاد أن يتساءل الكثيرون عن جدوى وجود المدرسة، والمعلم، والمؤسسة التعليمية وإنتاج الكتب والثقافة.. طالما يستطيع جهاز بحجم كف اليد أن يقدم للناس الكتب والمعلومات والوظيفة بكل يسر وسهولة ؟!

يقول لي أحدهم، إن الذهاب لمؤسسات العمل، المكاتب والشركات ومقار الصحف والمدرسة.. إلخ سيصبح سلوكاً من الماضي، يتذكره الناس باعتباره مرحلة من مراحل التاريخ الإنساني، قد لا يختفي كل ذلك مرة واحدة، لكنه لن يبقى طويلاً. يقول الرجل، إن ولدي لا يذهب لمكان العمل، إنه يمارسه من هاتفه النقال، كل شيء يجريه عبره، صحيح أنها ليست وظيفة حكومية، بل شركة خاصة تعمل في مجال البرمجة، لكن الحياة كلها في طريقها للبرمجة لتصبح على هذه الشاكلة، في نهاية الأمر هو يتقاضى مرتباً جيداً، ويحصل على مكافآت مجزية نتيجة إنجازه تكليفات معينة!

ويبقى السؤال عن نوعية هذه الحياة كيف هي؟ ما طبيعة العلاقات الإنسانية فيها؟ إذا لم يخرج الإنسان للعمل، ولم يتشابك مع الحياة ويعرف ويتطور ويعقد صداقات وعلاقات وإذا لم ينجح ويفشل، وتكون له أحلام يخطط لأجلها، ويجتهد ويكافح ويتدافع مع الآخرين للوصول إليها.. كيف تكون أو كيف ستكون حياته إذن؟

قد يكون الجواب المتوقع حسب سياق الحديث: إن الإنسان الذي يُربى أو يجهز لهذه الحياة سيكون مختلفاً تماماً عنا أو عن إنسان الأمس، لأنه لن يكون نتاج نظام التربية والأخلاق والتعليم و... الذي خضعنا نحن له، لذلك فربما تصبح احتياجاته ورغباته وقيمه وأولوياته مختلفة بشكل جذري عما هي لدينا.. أقول ربما، فالإنسان بحسب تاريخه عبر ملايين السنين ليس هو نفسه إنسان القرون الوسطى المظلمة، ولا إنسان الستينيات الحالمة! ولذلك سيطرح سؤال الجدوى كثيراً في الفترة القادمة!

 

Email