ماذا يفعل بنا الخوف؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

سئل كاتب مضى على اشتغاله بالكتابة أكثر من عشرين عاماً: ما الموضوع الذي تود أن تكتبه ولم تكتبه حتى الآن؟ فقال كأن الإجابة كانت جاهزة على طرف لسانه: أتمنى أن أكتب في كل المواضيع التي تمنيت أن أكتبها لكنني كنت خائفاً وما زلت حتى اليوم خائفاً من الاقتراب منها والكتابة حولها!

وهل يخاف الكاتب من الكتابة؟ نعم يخاف حين يكبر الرقيب في داخله، ويصير الخوف فيه كغابة، فيخيل إليه أن كل موضوع ملتبس قد يتحول إلى لغم يمكن أن ينفجر في طريقه بغتة! هل هذا الخوف حقيقي أم أنه مجرد وهم في عقل الكاتب؟ يقول المثل لا يوجد دخان بلا نار، قد لا يكون الأمر بتلك المبالغة التي يتخيلها البعض وقد يكون أسوأ، المهم أن هناك جذراً لهذا الخوف في أرض الواقع الذي يتحرك فيه الكاتب، والخوف كما يقول نجيب محفوظ، قد لا يمنع عنك الخطر لكنه قد يمنعك من الحياة ويحول حياتك إلى جحيم!

هناك خطر كبير من وجود قائمة بمحظورات اجتماعية أو سياسية أمام الكاتب أو المفكر أو المثقف بحيث يمنع من الحديث أو الكتابة أو النقاش أو القراءة أحياناً في موضوعات محددة، قد يعاقب بأشكال مختلفة من العقوبات لو أنه تجاوز قانون المنع هذا وكتب أو تحدث أو ... وهنا تتراكم ظلمات بعضها فوق بعض حول أمور عديدة يحجبها الجهل والمنع والخوف.. لذلك عندما يظهر من يخترق هذه الظلمة ويشعل شمعة في وجه ذلك كله، ترتفع الأصوات المستاءة والمعترضة والرافضة، والخائفة من حدوث الكارثة!

تثير الكثير من الأعمال الدرامية اليوم، قضايا ملتبسة جداً، في الدين والتاريخ والسياسة، وفي ظل انعدام الحقائق والحريات، تصطدم هذه الأعمال مع قناعات الناس التي لم تعتد على المعرفة والنقاش بقدر ما اعتادت على التسليم والاستسلام، لذلك يكثر الجدل والصراعات والمعارك الكلامية التي لا تقود إلى نتيجة، لأن الكل يشتبك مع الكل من واقع الجهل ومن أرض الخوف لا أرض الحقائق.. وهذا هو السبب في أننا أمة عالقة في منتصف الطريق منذ قرون!

Email