الزمن المفقود!

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتقد البعض أن الأدب أو مهنة الأدب من أبسط الانشغالات التي يمكن للإنسان أن يهتم أو يعمل بها، فالشعر والكتابة والرواية أمور من البساطة بحيث لا تحتاج إلى علم ودراسة وجهد، هكذا يظن البعض، لذلك فهذا البعض ينظر للأدب بكثير من الاستهانة أو السخرية أحياناً، وهذا الموقف المتعالي على الأدب هو ما ولد تلك الأسئلة الكبيرة (لماذا نقرأ الأدب؟) والتي احتاجت من كبار الكتاب أن يتفرغوا لها ليجيبوا عنها عبر كتب أصبحت من أهم ما تحتويه المكتبات حول العالم.

حول مدى صعوبة الأدب، كتابة وقراءة، عكس ما يظن البعض، إليكم هذه القصة: منذ أكثر من عام، طرحت كاتبة عربية عبر صفحتها في تطبيق الفيسبوك اقتراحاً على بعض أصدقائها يتعلق بعزمها على التصدي لمغامرة قراءة (البحث عن الزمن المفقود) للأديب الفرنسي مارسيل بروست، وهي رواية مطولة مكونة من سبعة كتب، تعتبر من أشهر الآثار الروائية الخالدة في الأدب الإنساني العالمي كتبت خلال الأعوام 1905 - 1910.

حين جاءتني الدعوة للمشاركة في مجموعة القراءة هذه انتابني الكثير من الحماس، فقد خططت كثيراً لقراءة هذا العمل، إلا أنني كنت أتراجع في آخر لحظة حتى حان الوقت المناسب، اقتنيت الكتب السبعة، وبدأت الرحلة، وكما أي رحلة تبدأ بالحماس والإثارة مدفوعة بشغف المشاركين، إلا أن الحماس يتضاءل مع عثرات الطريق وأصوات الشكوى تبدأ في التعالي، وهكذا كان، فبدأ العدد يتناقص والانسحابات تتزايد!

اكتشفت يومها أن القراءة ليست سهلة كما يعتقد البعض، ومهنة الأدب ليست أمراً بسيطاً أو تافهاً أو غير ذي قيمة، فحتى لو لم يكتمل المشروع إلا أن الحوارات التي دارت حول الكتاب الأول من السلسلة كشفت الكثير مما كان مجهولاً بالنسبة لنا جميعاً، المفاجئ بالنسبة لي أن الجزء الأول كان عبارة عن 622 صفحة، منها 151 صفحة مقدمة فقط!

ثم إن كل هذه الصفحات كان بروست يستعيد ذاكرة الطفولة لديه متذكراً خلال خمس دقائق تفاصيل ومشاعر ووجوهاً وشخوصاً احتاجت منه لـ 471 صفحة لكتابتها، الأمر الذي لم يطق عليه أغلبنا صبراً فتركنا الزمن المفقود إلى زمن سيفقد لا محالة!

 

Email