رمضان الذي لم يغادرنا

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما تتحدث عن رمضان ورمزية هذا الشهر بالنسبة لك، وعندما تعبر عن فرحتك بقدومه واستعداداتك المنزلية في هذا الإطار، ثم حينما تجلس لتستعيد ذكريات طفولتك ومراهقتك خلال الشهر الفضيل في تلك الأيام البعيدة، وما صرت تفعله اليوم، وكيف تمر الأوقات والأيام سريعاً، ينظر إليك محدثك بنوع من الدهشة متسائلاً: هل بقي شيء من رمضان الذي نعرفه؟ هل لا يزال رمضان الذي كان باقياً على ما هو عليه؟

سألت أحدهم عن استغرابه من مظاهر الاحتفاء والاحتفال بقدوم الشهر، وتشكيكه في مصداقية هذا الفرح، فمن وجهة نظره أن كل هذه المظاهر ليست سوى طقوس شكلية لا أكثر، أخرجت شهر رمضان من جوهره العبادي الحقيقي إلى كونه مجرد عادة اجتماعية، ككل العادات التي يحافظ الناس عليها ويكررونها كمناسبات دون أن ينفذوا عميقاً إلى روحها ومغزاها الحقيقي، وبذلك يحافظ الناس على طقوس رمضان (من وجهة نظره) كما يحافظون على أي احتفال تقليدي!

لا أحد مطالب بأن يكشف عن حقيقة علاقته بدينه، أو أن يقدم كشف حساب علني للناس عن صيامه وإفطاره، وكيف ينظر إلى رمضان، وكيف يجله ويعلي مكانته، لكن احتفاء الناس واستقبالهم للشهر الفضيل في شوارع البلدان الإسلامية وأحيائها وميادينها وأسواقها يكفي للدلالة على المحبة والتقدير، حيث لا يكفي أن تقول إنك تحب فلاناً أو تحب هذا الشيء لتكون محباً حقيقياً، عليك دائماً أن تشفع كلامك بالدليل: فما دليل حبك؟

هذا الاحتفال وازدهار العبادات والصلوات وتدفق الخير والعطاء والفرح ومهرجان الألوان والأضواء والسهر وموائد الإفطار والصدقات...

إن تحول رمضان لموسم عبادة حقيقي يدلل بما لا يقبل الشك على أن علاقة الإنسان برمضان ليست علاقة كرنفالية، ليست طقساً اعتيادياً موسمياً، إنها علاقة أكبر وأرفع ولا يصح التشكيك فيها وتحويلها إلى جدل على السوشال ميديا، نعم هناك من فقد إحساسه برمضان لبعده عن بلده وأهله أو لفقده والديه أو... لأي سبب آخر ارتبط رمضان بوجوده، لكن هذا لا يعني أن رمضان بكل حمولته الروحانية قد انتهى.. رمضان كريم ومتدفق بالعطاء دوماً.

Email