سؤال الطريق والتجربة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

لأن السؤال قد طرح علي كثيراً في الآونة الأخيرة وبصيغ مختلفة ومن جانب أصدقاء وقراء، حتى أنني صادفته على بعض صفحات مواقع التواصل، أقصد به ذلك السؤال الوجودي الصعب أو المؤلم ربما: كيف تغيرنا ؟ أين ذهب ذلك الشغف بالأشياء؟ أين اختفى الاندفاع؟ وكيف غادرتنا الرغبة في فعل الحياة، الرغبة في التنافس والاكتشاف والحب والسفر والتجربة؟ هل لأننا كبرنا، أم لأننا اكتفينا بالمعرفة؟

هل لأننا ذقنا الحياة وعرفنا ومن ذاق عرف، ومن عرف لزم، لزم السكون والحكمة وقنع بالبصيرة، لأنه رأى كيف تؤول الأمور في النهايات، فما عاد يحمّل نفسه أكثر مما تحتمل وما عاد يحمّل المواقف ما لا ضرورة له؟

لأجل كل ما نراه ونلقاه نكرر نفس السؤال، الذي لم يعد سؤال شخص بعينه بقدر ما صار سؤال الجميع، إنه سؤال الطريق والتجربة والبصيرة التي إذا امتلكتها فعلاً تكون قد قطعت مسافة طويلة في الرحلة، وكما تقول الأسطورة اليونانية التي رواها الشاعر كافافيس في قصيدته عن جزيرة ايثاكا الأسطورية!

قبل أن تصل، تكون قد كسبت الكثير وخسرت ما هو أكثر، عندها تكون قد عبرت بحاراً وأنهاراً، وحاربت وحوشاً وكائنات أسطورية، وذقت من الحياة ومن مطاعم الدنيا، بعد أن سرت على أرصفة كل الموانئ، ونزلت في أغلب المطارات، وجبت أكبر الأسواق وأبعدها وأصغرها، ودخلت حوانيتها واشتريت منها التحف والمجوهرات والأصداف والثياب الملونة وأفخر الهدايا وأجملها وأبسطها و.. لكنك في النهاية تكتفي، وتهبط في إيثاكا الجزيرة التي لا تعدك بشيء لأنك ستأتيها محمّلاً بكل شيء!

وكما أسأل اليوم، فقد سألت السؤال نفسه ذات يوم، فأجابني صديق ممتلئ بالبصيرة والمعرفة: إن كل ما تسأل عنه مخبوء فيك لم يذهب بعيداً ولم يضمحل، لم يتلاشَ ولم يَضِعْ، لكنك وأنت تعبر الجسور تلقي في المياه التي في أسفلها ما تستطيع لتتخفف ولتعبر، بينما على جوانب الطرقات حوانيت بلا عدد تدخلها فتنتقي وتأخذ للرحلة الطويلة ما أنت بحاجة إليه، ثم تقايضه بما لم تعد تحتاجه!

Email