كيف نحطم البحيرة المتجمدة؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقول لي صديق قرأ مقالي حول الأشخاص كثيري الشكوى الذي نشر منذ يومين، إنه لأول مرة يفكر بجدية ويحاول استعادة الحوارات التي تدور بينهم كأصدقاء حين يلتقون في نهاية الأسبوع في أحد المقاهي أو حتى حين يجمعهم لقاء في العمل أو في مكتب أحدهم، يقول دفعتني المقالة لأن أتأمل عما يدور حقيقة في لقاءاتنا، عن ماذا نتحدث؟ هل نشتكي أم لا ؟ أم أننا لا نشتكي لأننا ناجحون وسعداء ونعتقد أن هذه هي الحياة الصحيحة التي كنا نحلم بها في بداية شبابنا؟

هل ننظر إلى عملنا وجهدنا وتعبنا الذي نبذله وتكرار الأيام على ما هي عليه رغم ظروف المعيشة وصعوباتها على أنها جهاد فعلاً، أم أن الأمر غير ذلك؟ ثم هل الأفضل للناس حينما تلتقي أن تبدأ في بث همومها والحديث عن مآزقها لأصدقائها باعتبار أن هذه واحدة من مهام الصداقة أن نحملها همومنا ومتاعبنا ونعتبرها الطبيب النفسي المسؤول عن مسح آلامنا والبحث عن مخارج لنا، أم أن اللطف والذوق والإنسانية أن نجعل من هذه اللقاءات مساحة للتخفف والبهجة ومحاولة لفقدان ذاكرة التبرم والشكوى وصناعة ذاكرة أخرى عنوانها المسرة والبهجة وأحاديث خارجة عن سياق الثقل والكآبة؟

قلت بيني وبين نفسي: أظن أن هذا ما يجب أن تقودنا إليه الكتابة على أية حال، أن نطرح الكثير من الأسئلة على الأفكار التي نقرؤها وعلى أنفسنا وعلاقاتنا حتى لا تتحول الحياة التي نعيشها إلى بحيرة بايكال الروسية المتجمدة التي لا يمكن لأي قوة أن تكسر جليدها المتراكم، وأخذتني البحيرة إلى كافكا الذي كتب يقول ( إذا كان الكتاب الذي نقرأه لا يوقظنا بخبطة على جمجمتنا، فلماذا نقرأ الكتاب إذن؟ كي يجعلنا سعداء ؟ يا إلهي، كنا سنصبح سعداء حتى لو لم تكن عندنا كتب، والكتب التي تجعلنا سعداء يمكن أن نكتبها في أي وقت)!

على الكتاب أن يكون كالفأس التي تحطم البحر المتجمد في داخلنا، هذا ما يظنه كافكا وما أظنه أنا كذلك !.

 

Email