ذائقة أم رداءة؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعجبتني الفكرة التي طرحتها كاتبة على صفحتها حول سلطة الحب بالإكراه، التي تمارسها جماعات ثقافية سمتهم هي شرطة الرموز! فمن هم هؤلاء؟ إنهم جماعات غير محددة لا اسماً ولا شكلاً ولا عدداً، لكنهم يملأون فراغات وجهات الحياة حولنا، فحيثما وليت وجهك صادفتهم، خاصة إذا فكرت أن تعلن عن موقفك من توجه فكري أو مدرسة فنية أو شخصية أو رمز أدبي أو فني معين: فنان أو شاعر أو كاتب أو فيلسوف أو بطل أو قائد.. فهذه الرموز من الواجب عليك، بل ومن المحتم والمفروغ منه أن تحبهم أنت وأنا والجميع! بالإكراه، نعم بالإكراه، وهذا ما سمته الكاتبة الحب الواجب بالإكراه!

أما إذا كنت قارئاً ومثقفاً فحاول أن تجاهر بأنك لا تحب أن تقرأ لنجيب محفوظ مثلاً، أو لست من محبي أم كلثوم أو من مدمني الاستماع لصوت فيروز في الصباح، لأن حالة المثالية المطلقة في صوتها وأغنياتها تستفزك، بل وتخنقك، وربما تثير غيرتك! فإن شرطة الرموز ستمزقك إرباً!

حاول أن تقول إن ما أقنعتمونا به من أن (عيون المها بين الرصافة والجسر...) ليس أجمل بيت في وصف العيون وأن ما قاله بدر شاكر السياب أجمل بكثير!

عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحَرْ،

أو شُرفتان راح ينأى عنهما القمر...

وانظر ما سيكون الرد!

اكسر القوالب والتابوهات المقدسة المتوارثة منذ قرون وسنوات، واحتمل ما تواجهه حين تتكسر النصال على النصال وهي توجه إليك ضرباتها الأليمة: فأنت مجرد شخص جاهل رديء الذوق والذائقة، لا علم لديك، ولا منطق في حديثك يجعلك جديراً بأن ينصت إليك!

إذا كان كل هذا لا يهمك فأكمل دربك واصنع حالتك واختيارك، ولكن دون حاجة لمقارنات، فما لا تحبه يحبه غيرك، وما لا تفضله أنت تفضله ملايين غيرك. وما لا يتفق مع ذائقتك اعترف به على رؤوس الأشهاد ومنح أعظم الجوائز، لكنه مع ذلك لا يلزمك بأن تحبه أو تفهمه أو تتبعه بالإكراه، فالأدب والفن والفكر وجد ليجعلك حراً، وليزيدك معرفة وجمالاً، لا ليردك عبداً لأذواق وأهواء شرطة الذوق في مجتمعات تقديس الرموز!

Email