عالم من الكذب 2 ــ 2

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما تجف مصادر الأخبار الخاصة بحياتهم، أو يفتقدون للقصص التي يثيرون بها اهتمام متابعيهم، فإن كثيرين من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي يتحولون فجأة إلى عشاق مهتمين بالشعر والأدب والفلسفة، عبر إدراج الكثير من الاقتباسات والجمل اللافتة المذيّلة بأسماء كبار أدباء وعلماء وشعراء العالم!

ما يفهمه المتابعون والقراء من هذه الاقتباسات هو أنها محاولة لإيصال رسالة، مفادها أن هذه الاقتباسات تعبر عما يشعرون أو يمرون به من حالات وجدانية أو عاطفية، أو القول إنها تتماشى مع قناعاتهم والأفكار التي يؤمنون بها، أو ربما للقول إنهم قراء رصينون وأشخاص مثاليون بدرجة ما! فتتحول تلك الاقتباسات إلى ما يشبه المنظور، الذي يعبر عن طريقة صاحب الحساب في النظر: للحياة والحب والوطن والأخلاق والإيمان والصداقة والقضاء والقدر، والشهرة و.. إلخ !

كثيرون ممن لم يفتحوا في حياتهم كتاباً واحداً في الشعر أو الفلسفة أو الأدب، يقتحمون عالم الأدب عبر اقتباسات لا حصر لها تنتشر في شبكة الإنترنت دون وجود ما يثبت فعلاً أنها تخص هؤلاء الأدباء، إلا أن الرغبة في الظهور بمظهر المثقفين والقراء المحترفين تدفع رواد منصات التواصل لإيرادها وبإصرار، في محاولة منهم لإخفاء فراغات المعرفة لديهم عبر ارتداء معاطف هؤلاء الكبار أمثال: نجيب محفوظ، ديستوفسكي، نزار قباني، محمود درويش، تولستوي، وهم أكثر من يتم نسبة الاقتباسات لهم دون أي مرجعية تذكر!

في واحدة من أشهر الاقتباسات المنسوبة لأديب روسيا العظيم دوستويفسكي يقول فيها: «لا يمكنك أن تشفى في نفس البيئة التي جعلتك مريضاً، غادر»! فهل وردت هذه العبارة على لسان أحد أبطال ديستويفسكي؟ أم أنها عبارة منسوبة له؟ لأن العبارة ذاتها تنسب لجلال الرومي كذلك ولكن بتعديل طفيف، حيث ترد عبارة الرومي هكذا (هروبك مما يؤلمك سيؤلمك أكثر، لا تهرب، تألم حتى تشفى)!

وبعيداً عن إشكالية توثيق الاقتباسات، نحن حيال مشكلة حياتية يمكن أن يعانيها أي منا، ولكن بلا شك سنعالجها بطرائق ومخارج مختلفة، لكن هل يمكننا كلما جرحنا أو عانينا من مكان أو بيئة أو شخص ما أن نغادره لنشفى؟.

Email