التزام!

ت + ت - الحجم الطبيعي

لو سألت مائة شخص، أو حتى ألف شخص، ليس بينهم كاتب أو رسام أو مسرحي مثلاً، عن روتينهم اليومي، فربما لا تعثر في إجاباتهم على شيء مثير أو يمكن وصفه بخفة الروح أو الطرافة والاختلاف التي تميز إجابات الروائيين والشعراء والرسامين عادة!

إن معظم هؤلاء الذين سألتهم ليسوا سوى أساتذة مدارس أو موظفين صغار أو طلاب جامعات أو سكرتيرات مكاتب صغيرة أو حراس أمن وموظفي بنوك وفنادق إلخ.. إنهم أناس عاديون جداً، لا يضبط سير يومهم سوى الانصياع للروتين والالتزام بساعات الدوام، وإثبات الحضور والانصراف، وبتعليمات السيد رئيس القسم وأوامر السيد مدير المؤسسة أو أي سيد مسؤول، ومن ثم يعودون للبيت ليخضعوا لدورة روتين أخرى وهكذا..!

وبالمقابل، لا يستطيع الروائيون والشعراء والرسامون والموسيقيون أن ينضبطوا كعقارب الساعة، لأن ما ينتجونه لا يخضع لتوقيت محدد ولا لحالة محددة، وإن كان البعض يطالبهم بألا يسيروا خلف أمزجتهم المتذبذبة، أو يستسلموا لها على طول الخط، لأن ذلك يعني أنهم لن ينجزوا ولن ينتجوا ولن يعيشوا، لكن هؤلاء لو فكروا بهذه الطريقة فإنهم قد ينتجون أعمالاً ولوحات وقصائد، لكنها حتماً ستكون خالية من الوهج والروح والألق الذي يحضر في تلقائية اللحظة الإبداعية!

ولو أننا طبقنا معايير الروتين والوظيفة على عباقرة الفن والإبداع لكنا وجهاً لوجه أمام مسار آخر تماماً لمسيرة عباقرة من نوع آخر ربما!

لذلك فحين تسأل روائياً أو شاعراً أو رساماً: كيف هو روتينك اليومي في العمل؟ فإن سؤالك قد يبدو بسيطاً، لكنه بالنسبة له مُربِك حقاً، فلا مكان محدداً ولا وقت ولا أوامر تتسع للإبداع، وهذا يختلف تماماً عن العمل الروتيني الذي يؤدى بتكليف معين من أجل لوازم الحياة، فالكاتب يكتب لنفسه ويكتب أحياناً للعمل وفق شروط والتزامات يكبل بها نفسه، صحيح أنه لا ينجح بالالتزام بها دوماً لكنه يحاول أن يفعل ليعيش!

إننا نتدرب على الكتابة في قاعات الانتظار في المطارات، وفي المقاهي والمطاعم أو على طاولة المطبخ في البيت، وفي سيارة الأجرة وفي الطائرة أو ونحن ننتظر القطار.. لضرورات الالتزام لا أكثر!

 

Email