الخوف من كلام الروايات!

ت + ت - الحجم الطبيعي

إذا أرادوا تسفيه كلام قالوا عنه كلام جرايد، وإذا أرادوا نعته بالتفاهة قالوا إنه كلام روايات، ومع ذلك فإن هذا الكلام غير دقيق، فهناك أنظمة بقضها وقضيضها يمكن أن ترعبها رواية!

عندما كتب الشاعر الروسي بوريس باسترناك روايته الشهيرة (دكتور جيفاغو)، رفض كل الناشرين في الاتحاد السوفييتي أن ينشروها، صدوا عنه وأغلقوا مكاتبهم دونه، فلم يجد طريقاً سوى تهريب الرواية لإيطاليا، وهناك نشرت. كان ذلك في العام 1957، وقد اشتهرت وتألقت، بل واختارتها لجنة نوبل لتمنحها جائزتها عام 1958 مع أنها كانت روايته الأولى والوحيدة لكنها السياسة والتوظيفات!

كانت نوبل تريد لفت انتباه العالم لقمعية النظام في الاتحاد السوفييتي، لكن هذا النظام منع باسترناك من السفر لاستلام الجائزة، وأجبره على الاعتذار عنها، وبعد عامين توفي باسترناك بداء الرئة، بينما حلقت الرواية وصارت ملء الدنيا، ولم تنشر في بلادها الاتحاد السوفييتي، إلا بعد مضي ثلاثين عاماً!

وهو ما حدث مع نجيب محفوظ وروايته الشهيرة (أولاد حارتنا) في الحقبة الزمنية نفسها، الذي يبدو أنه كان زمن نهوض الديكتاتوريات، فبالرغم من أن أولاد حارتنا نشرت بالفعل على صفحات الأهرام عام 1959، ثم طبعت ونشرت في بيروت عام 1962، إلا أنها لم تنشر في بلاده مصر حتى نال محفوظ جائزة نوبل عام 1988، وتعرض لمحاولة اغتيال بسببها عام 1994، ومن ثم توفي عام 2006، وهو العام الذي طبعت فيه الرواية في القاهرة!

إن ظاهرة منع دور النشر من ممارسة أنشطة النشر، ومصادرة الروايات التي يشتبه في مناداتها بالحريات أو تخالف التوجهات السياسية السائدة، ظاهرة على تخلفها، لم تسلم منها أنظمة كثيرة في الشرق والغرب، فحتى الولايات المتحدة أيام المكارثية اتخذت موقفاً معادياً من الكتب والكتاب الذين يشك في أنهم يناصرون الشيوعية، وهو ما أفرز كتباً تندد بهذا التوجه مثل رواية ( فهرنهايت) أما في عالمنا العربي فالظاهرة صامدة حتى اليوم، وكأن الإنسانية لم تجتز هذا الطريق الصعب، دفاعاً عن الحريات وحرية الرأي والتعبير، أو كأننا لم نتزحزح خطوة للأمام منذ عام 1958 في هذا الطريق!

 

Email