حلم الكرسي!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في طفولتي كان في بيتنا كرسي هزاز من تلك الكراسي الخشبية التي عرفناها من مشاهدتنا للأفلام الأمريكية والمصرية أيام الأبيض والأسود، فقد كانت تلك الكراسي قطعة أثاث لها قيمتها في تلك الأزمنة القديمة، ولا أدري إن كان هناك من لا يزال يحتفظ بها في بيته أو يشتريها في هذه الأيام، وقد اشتراه والدي لأن والدتي كانت تحلم بامتلاك هذا الكرسي في تلك السنوات البعيدة، وعندما حضر الكرسي تحول إلى لعبة مفضلة لنا أنا وإخوتي، فلم نشهد والدتي تجلس عليه يوماً!!

ما ذكرني بحكاية الكرسي هو رسالة تلقيتها من صديقة، سيدة متزوجة، وهي أم وجدة كذلك، كما أنها، كأي شخص في هذه الحياة، وكأي امرأة، كان لديها من الأمنيات والأحلام الشيء الكثير، ضاع معظمها في زحام الحياة والاستحقاقات العائلية، ونُسي البعض الآخر، بينما بقيت أكثر الأحلام تواضعاً ورومانسية قابعة في زاوية قصية من القلب تعن على البال كأغنية مسافرة في ذاكرة الأيام. لقد بقي في قلب هذه السيدة أمنية صغيرة تنتمي لهذا النوع من الأمنيات! وهنا يصبح السؤال طبيعياً: لماذا لا يحقق الإنسان أمنياته المتواضعة هذه رغم التصاقه بها؟

تصف هذه السيدة أمنيتها قائلة: «دائماً، ما كان يراودني حلم امتلاك كرسي هزاز، أجلس عليه خالية من كل الهموم والأثقال، رائقة النفس أجلس بصفاء أمام نافذة كبيرة تنفتح على سماء ماطرة، أضع بجواري كوب قهوة، وأشتغل بنسج خيوط الصوف مستغرقة في عالمي بهدوء بعيداً عن كل الضجيج والانشغالات، لأنني أجيد هذا الفن وأحبه، لكنني برغم كل محاولاتي وشراء ثلاثة كراسي هزازة، إلا أنني لم أحظَ يوماً بفرصة تحقيق حلمي!»، تسألني هذه السيدة في ختام رسالتها وهي تعلم جواب سؤالها سلفاً: هل تظنين أن المشكلة في الكراسي؟

أين ذهبت الكراسي الثلاثة: أولها أخذته أختي، تقول السيدة، واثنان بعتهما، وضجيج العائلة وانشغالات الأبناء وأبنائهم لم تتوقف يوماً، إلى الدرجة التي لا أظن أنني حظيت يوماً بفرصة تحقيق حلم بهذه البساطة!

المشكلة ليست في الحلم ولا في الكراسي، ولكن في صاحبة الحلم نفسه!

Email