لماذا تحلم أكثر مما يجب؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

في جلسة ضمت أسماء كثيرة من المثقفين العرب، الذين اجتمعوا ليمضوا سهرة طويلة معاً، بعضهم يتعارف وبعضهم يلتقي للمرة الأولى، لكنهم بعد أن تعارفوا وتبادلوا الابتسامات والسلامات، انفتحت شهية الكلام والشكوى وتبادل وجهات النظر، فسافر في السماء قمر، وفي المكان أبحرت حكايات وقصص ومفارقات وأسرار، تبدو وكأنها انطلقت من كهوف غائرة في الذاكرة وفي القلوب.

فإذا ألقيت أذنيك إلى ما يدور سيفاجئك ما تسمع حتماً، يقول لك أحدهم ألقيت في غيابة السجن دهراً، حتى اقتنع من قام بسجنه أنه بريء تماماً مما نسب إليه من اتهامات، فأطلق سراحه، أما هو فأطلق ساقيه وقلبه للريح وغادر بلاده إلى غير رجعة، قال إن الخوف استوطنه وإنه فقد الأمان إلى غير رجعة، والوطن ليس بيتاً ولا مأدبة طعام ولا علماً يرفرف فقط، لكنه أمان وكرامة وإن كرامته قد أهدرت مع سبق الإصرار والترصد!

بينما يقول آخر لقد غدره زميله في العمل، بعد أن كان يقضي النهارات معه في تنظيم حدث ثقافي معين، فإذا به يشي لجهات معينة، فتسبب ذلك في حبسه سنوات وكان ذلك ظلماً وعدواناً كذلك، أما الثالث فيتحدث عن روايته التي ما إن انتهى من كتابتها ومراجعتها وطباعتها وعرضها بالفعل على رفوف المكتبات، تفاجأ بسحبها من الأسواق لأن زميله كتب تقريراً عن وجود مخالفات رقابية في متن الرواية لم ينتبه لها الرقيب فكانت النتيجة سحبها من الأسواق ومنعها نهائياً!

الحقيقة هي أن الوشايات والعداوات ليست سمات من زمن مضى كما يقال، وليست صبيانيات طلاب المدارس وموظفي المؤسسات البيروقراطية الذين ولدوا على أعتاب عقد التسعينيات من القرن الماضي، بل هي واحدة من سمات المؤسسات الحديثة، تعشش فيها وتعبث بمستقبل كثيرين، بل وتدمرهم تماماً!

والحقيقة التي لا جدال فيها هي أن المثقف ربما يكون الشخص الأكثر عرضة لكل الأمواج العاتية التي قد تعصف أو تهب من أية جهة، وأياً كانت تلك الجهة، فهو الذي يتلقى سوء الظنون وكل اللعنات، ربما لأنه يعرف أكثر مما ينبغي، وربما لأنه يحلم أكثر مما يجب!

 

Email