كيف نعيش اللحظة؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

خلال نهارك، أنت كما ملايين غيرك، تتنقل بين تفاصيل المشاغل والوجوه وبعض الأمكنة، إن كنت في إجازة، أو كنت بلا عمل، فتقابل صديقاً، تنجز معاملة عاجلة في البنك، تتوقف عند محطة البترول لتعبئة خزان سيارتك، تقضي وقتاً تتلصص على ما يثيره رواد مواقع التواصل، تفكر في أن تعلق أو ترد على ما يستفزك، وهو كثير، ثم تتراجع، تغلق الموقع وتخرج. تفكر في حلمك الذي راودك ليلة أمس، والذي تبدد كندف الغيم قطعة إثر قطعة، حتى ذاب، وما عدت قادراً على استعادة شيء منه!

يرن هاتفك، ترد بأدب، وحين تعرف المتحدث، ينتابك شعور بالانزعاج، فتستأذن وتغلق الخط في وجه موظف شركة الاستثمار والعقارات، الذي لا يكف عن مكالماته المزعجة كل يوم! هذا ما يحدث لك ولغيرك كل يوم، هذه هي المدينة، وهذه انشغالات ساكنيها، لكن ماذا عن تلك الأمنيات التي أطلقها الجميع في نهاية العام، ماذا عن النصائح والتنبيهات والإرشادات التي قالها المدربون النفسيون، وكتب التنمية والصحة النفسية، بخصوص «عيش اللحظة، وكن إيجابياً، وافعل ما يشعرك بالسعادة، كيلا تقع تحت ضغط مشاعر القلق والتوتر والعصبية»؟.

هل تبدو الحياة، حتى في أصغر تفاصيلها ومتطلباتها، قابلة لأن نسيطر عليها ونخضعها لمصلحتنا، لتتحقق سعادتنا المرجوة وإيجابيتنا المهمة، كأننا الكائنات الوحيدة على هذا الكوكب؟ كيف يمكن لشخص في منطقة نزاعات وحرب، مثلاً، أن يعيش لحظته ويفكر بمصلحته، بينما لا أفق يوحي بحياة طبيعية حوله؟.

وكيف أجدول حياتي لعام كامل، بينما لا أعلم ظروف الآخرين، الذين لا يمكنني الحياة إلا معهم؟ كيف أترك العالم خلف ظهري وأعيش، كأن لا شيء يهدد مستقبل الأرض، ويعبث بمناخها ومواردها وسكانها وأطفالها؟ كيف أعيش اللحظة وأستمتع بها لأجل صحتي النفسية، وكل هذا يحدث حولنا، مقلق وموتر ومستفز؟ أغمض عيني؟ كيف؟ أغلق باب ضميري ومشاعري: هل يبدو ذلك ممكناً؟.

لنتفق على حل وسط: لِنعِشْ اللحظة أو الحياة كما تفرضها علينا إنسانيتنا وفكرة التشارك، لأن الأنانية هي أحقر فكرة ابتدعها الإنسان طوال تاريخه!

 

Email