طرقات المدن.. من أين تبدأ؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

جربت السفر إلى بلدان ومدن متباينة ومختلفة حد التناقض، في الثقافة والاقتصاد ومستوى المدنية (ولن أقول المستوى الحضاري) لأن بلداناً عديدة تبدو متواضعة الإمكانيات والخدمات، ولا تمتلك الكثير مما تقدمه دول الغرب المتطورة، إلا أن هذا يجب ألّا يقودنا إلى استنتاجات ظاهرية خاطئة تعتمد على الوضع الحالي والمؤقت، بل علينا أن نقف ونغوص عميقاً في التاريخ وتحديداً تاريخ المدن.

إننا حين نتحدث عن ظاهرة المدنية، فإننا نتحدث عن منتجات مادية وتطور مادي أنتجته جهود الناس ونشاطهم وعلمهم، لكن العراق مثلاً بلاد تنتمي لحضارة عريقة بل هي أولى حضارات العالم، التي خلفت وراءها الشرائع والقوانين ونظم البناء والهندسة والأساطير والأديان، فماذا عن دول غرب أوروبا التي تنتمي لشعوب الفايكينج وغيرهم من غزاة البحار؟، أي حضارة خلف هؤلاء ؟.. لا شيء، لذلك علينا أن ننتبه حين نتحدث عن (تخلف العراق وتحضر السويد)!

في السفر، أنت تكتشف حضارة المدينة، وأثرها في محيطها وبمن تأثرت، وكيف اختلطت المصبات في نهر الحضارة العظيم لتنتج ما نراه من أنماط الحياة والمعيشة والسياسة والبناء والطعام والتفكير و...

، لذلك حاول قدر استطاعتك حين تمنحك الحياة فرصة للسفر، أن لا تنسى هذه الحقيقة، فنحن نسافر لنعرف، ونتعارف، ولنرى بعين القلب والعقل والروح معاً، لنتجاوز الظاهر والمؤقت والقشرة الظاهرة للمدينة، فالمدينة التي تنتمي لحضارة عميقة كالقاهرة وإسطنبول ودمشق وبغداد.. وغيرها، مكونة من طبقات من الحضارة، ومن شعوب وأقوام مروا بها وتركوا بعض أثرهم وآثارهم.

حاول وأنت تتناول طعام الفطور على نهر النيل أو على مضيق البسفور أن تجهز رحلة على ضفاف التاريخ، وأن تنصت للموسيقى وتتمشى في أرجاء المتاحف وتتطلع على آداب هذه المدن وتدخل أقدم مطاعمها وتتذوق أنواع الخبز والقهوة والشاي فيها، فهذه التفاصيل كلها هي من يحكي حضارة هذه المدن، كما تحكيها كتب التاريخ والمعارك وأسوار المدن وتماثيل القادة والأبطال وقصائد المديح وقصص الحب والشجاعة، أزح جانباً رغبات التسوق واللاجدوى ويمّم شطر المدينة عبر طرقاتها الصحيحة!

Email