في الخمس دقائق المتبقية!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في واحدة من قصائده الشهيرة التي لطالما قرأناها في مراهقتنا، تستوقفني اليوم عبارة فتحت لدي قوساً في الذاكرة والذكريات والتأملات.. يقول نزار في قصيدته:

وما بين وعدين وامرأتين

وقطار يجيء وآخر يمضي

هنالك خمس دقائق أدعوكِ

فيها لفنجان شاي قبيل السفر

القصيدة طويلة جداً، يورد فيها الشاعر الكثير من تناقضاته كشاعر وعاشق ضمن صور وذكريات ومشاعر باذخة جداً، وهذا ليس الهدف من استدعاء القصيدة، إن ما ذكرني بالقصيدة هو الخمس دقائق التي تسبق السفر أو الفراق أو المغادرة، والتي يظن الشخص أن بإمكانه أن يستدرك فيها ما لا يدرك إلا بالشعر والأحلام، فنزار يصور في قصيدته أنه في هذه الخمس دقائق يمكنه أن يدعو حبيبته لفنجان شاي، ويجلس ليثرثر معها ويطمئن عليها، ويشكو همومه ويشتم ظروفه، ويخترع لغة خاصة يفصلها لها وحدها، ويكتب لها شعراً لم يكتب لامرأة سواها.. كل هذا في الخمس دقائق المتبقية قبل وصول القطار أو قبل التوجه للطائرة!

ففي ذاكرة الأسفار جيوب تختبئ فيها حكايات بلا حصر، وقد استدعت ذاكرتي موقفاً حدث مع العائلة، منذ أكثر من عشرة أعوام، عندما انتهينا من إجراءات مغادرة الفندق في إحدى الدول الأوروبية، جاءت السيارة التي تنقلنا للمطار وتم تحميل الحقائب، وجلس الجميع في أماكنهم، وكنت مسؤولة عن كل ذلك، وبطبيعة الحال فإن الأمر لا يخلو من توتر وعصبية، وبعد أن انتهينا وقبل أن يتحرك السائق صاحت والدتي انتظروا! لماذا (فلانة وفلانة ليستا في السيارة!) فقد خطر لهما في الخمس دقائق الأخيرة الذهاب للسوق، ولكم أن تتخيلوا مقدار التوتر والهواتف مغلقة، لكنهما حين عادتا وجدتا من التقريع ما لم تنسه أي منهما حتى اليوم!

والحقيقة أن تذكر أمر ضروري والإصرار على اقتنائه، وإن في اللحظات الأخيرة من السفر يبدو أمراً غريباً للبعض، ومستفزاً لآخرين، لكنه سلوك له عشاقه وهواته المعروفون به حين لا يمنعهم شيء من ذلك حتى وإن فاتتهم الرحلة، وقد حدث ذلك لكثيرين أعرفهم مراراً وتكراراً.

Email