لفت انتباه!

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ سنوات بعيدة جداً، أتذكر أنني كنت أزور أحد معارض الكتب، ولفت نظري كتاب عنوانه (شوفوني، شوفوني) استهجنت العنوان معنى ولغة، ووجدته لا يليق بكتاب!

أن يحب الناس لفت الانتباه إليهم فذلك من الأمور المعتادة التي يعرف معظمنا مبعثها ودوافعها، خاصة في أيامنا هذه، بعد أن تسلطت وسائل التقنية ومنصات السوشيال ميديا التي برمجت حياة الناس وتحكمت فيها بحيث أصبحت الحياة مجرد صورة، نلتقطها لكل تفصيلة من تفاصيل حياتنا الخاصة، صورة نجتهد أن نرسل من خلالها كل ما نود قوله، والصورة التي نريدها أن تستقر في أذهان الآخرين عنا، وعلى أساسها يتم تصنيفنا، ووضعنا في الخانة التي نتطلع إليها!

لفت الانتباه، بأي شكل ووسيلة للظهور والتباهي، هو سلوك إنساني موجود مع الإنسان منذ الأزل، وكانت الحفلات والمنتديات والنوادي الاجتماعية تمنح الناس مساحة جيدة لاستعراض مستوياتهم الاجتماعية وثرائهم وممتلكاتهم و..، لذلك فهو سلوك مفهوم ومبرر، لكنه يصبح مرفوضاً حين يتجاوز الحدود والأدب، ويصل إلى درجة الاستفزاز المبالغ الذي يجعل الشخص لا يراعي مشاعر الناس أو ظروفهم وأوضاعهم الاقتصادية والنفسية.

وهنا يقول علماء السلوك: إن لفت الانتباه في الحدود المعقولة سلوك يمكن التغاضي عنه، لكن المبالغة في الاستعراض أمام الآخرين، فهو شكل من أشكال الخلل ونقص الثقة، لكن الناس تفعل ذلك لتحقق مقداراً من الثقة والتفوق، وهنا فنحن بصدد الجانب المظلم لهذا السلوك والمتمثل في تزييف وعي صاحبه بإشعاره بالأفضلية على حساب حالة البسطاء والفقراء والمحرومين الذين ينظرون له بعين الحسد والغيرة لكل ما يعرض أمام أعينهم، وهذا بدوره يخلق الكثير من الحساسيات والنفور.

تقول لي إحداهن: لم نعد نلتقي مع الناس كما السابق، ولم يعد الناس يتزاورون، فأين يمكن للإنسان أن يظهر ما عنده؟ وكأن إظهار ما نملك أمام الآخرين حاجة لا غنى عنها، لكننا ونحن نسمع ونتابع نشاطهم على السوشيال ميديا نرى مدى سعيهم للشعور الزائف بالتفوق، والقدرة على جعل كل شيء يبدو مثالياً، وهو ما توفره هذه الأدوات الاستعراضية الحديثة!

Email