العربية.. هويتنا وبيت الوجود!

ت + ت - الحجم الطبيعي

نظرت إلى والدها بعيون متسائلة، كانت تريد الاستفسار عن أمر، وبكل ثقة توجهت إليه كي تطرح عليه سؤالاً يتعلق بترتيبات السفر، التي تراه منهمكاً في إجرائها، كان السؤال بسيطاً جداً بقدر ما كان طفولياً، لكنها حين وقفت أمام والدها جاءت كلمات السؤال مبهمة لا رابط بينها، لم تعرف فتاة الخامسة عشرة كيف تصيغ سؤالاً مكوناً من خمس كلمات بلهجتها الإماراتية! اللهجة التي يفترض بها أن تكون وسيلتها الطبيعية والدائمة هي وأخوتها ووالداها للحديث والتعبير والتواصل على امتداد الوقت!

وإنقاذاً لنفسها فقد اختارت بشكل سريع صياغة سؤالها بالطريقة التي تعلم أنها في متناول وعيها، وفي متناول وعي كل أجيال اليوم، باللغة الأكثر تداولاً وجرياناً على ألسنتهم للأسف الشديد: باللغة الإنجليزية. قد يبدو هذا المشهد معتاداً للكثيرين، لأنه يتكرر في معظم بيوتنا في الإمارات كل لحظة، لكنه مشهد يستدعي التوقف حتى بعد فوات الأوان، فبقدر ما يذكرنا بتهاوننا في حق لغتنا، فإنه في الوقت نفسه يحيلنا إلى أسئلة وهواجس محزنة ومستفزة ومخيفة، وهي أسئلة انطلقت على ألسنة أبناء الإمارات ومثقفيها وكتابها منذ سنوات بعيدة، منذ بدأت موجة اعوجاج الألسن لدى الصغار وتفضيلهم الحديث بالإنجليزية استجابة لطموحات الأسر والآباء والأمهات الذين كانوا يتباهون بأبنائهم، الذين يتحدثون بالإنجليزية، لأنها لغة الحياة والمستقبل والتعليم والعمل، وكانت توجهات وزارة التعليم والتعليم العالي تسير بقوة في هذا الاتجاه خدمة لأهداف التوظيف!

بقي الصوت العالي منذ مطلع التسعينيات ينادي بالاهتمام بالإنجليزية، لأنها لغة سوق العمل والاقتصاد، وأن شبابنا ما لم يتقنوا هذه اللغة فلن يكون لهم مكان في هذا السوق أبداً، والحقيقة أن الشباب أتقنوا الإنجليزية أكثر من أهلها لكن ذلك وللأسف الشديد ترافق مع إهمالهم للغتهم العربية وللهجتهم الإماراتية بل وجهلهم بها، كما وأهملت الأسر الاهتمام بها داخل البيت فوصل بنا الحال إلى أن أصبح أبناؤنا لا يستطيعون تكوين جملة قصيرة بلهجتهم أو باللغة العربية، المكون الأول والأساسي للهوية والانتماء، اللغة التي وصفها الفيلسوف الألماني مارتن هيدجر بأنها بيت الوجود!

Email