لماذا نهرب؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل هناك شخص على هذه الأرض لم يهرب من أمر ما في حياته؟ إننا وعلى امتداد العمر نمارس الهروب كفعل أشبه بآلية دفاع ذاتي عن النفس في مواجهة العديد من التحديات والمشاكل والإكراهات، وأن نهرب باستمرار لا يعني بالضرورة ذلك الهروب الذي يوقعنا تحت طائلة القانون، فقد يهرب الإنسان من نفسه، من الطقس السيئ، من المخاوف، من القلق، من البيت والعائلة والضغوطات والمطالب و.... إننا كائنات هاربة من نفسها ومن الآخرين طوال الوقت، لأننا نبحث عما لا يمكننا العثور عليه، نهرب بأجسادنا كما نهرب بأذهاننا، بحثاً عن زمن مفقود، ومكان خالٍ من المنغصات!

يقال إن الفيلسوف سقراط كان يهرب للفلسفة وتلاميذه والتسكع في طرقات أثينا طوال الوقت، هرباً من زوجته كزانتيب سليطة اللسان، التي قال بأنه صار فيلسوفاً بسببها، كما هرب الفيلسوف نيتشه إلى عزلته، وإلى الفلسفة بسبب معاناته مع المرض، وتشهد مدينة سانت بطرسبرغ على هروب كاتبها الشهير ديستويفسكي من بيت لبيت تجنباً للدائنين الذين كانوا يطاردونه لاسترداد أموالهم التي كان يقترضها لينفقها في صالات القمار! أما تولستوي فكان يهرب من زوجته العاشقة صوفيا؛ بسبب تعلقها الشديد به ورغبتها في امتلاكه والاستئثار به!

إن الهروب هنا، يمكن تقبّله وتفسيره باعتباره سلوكاً إنسانياً عادياً، يأتي كردة فعل على حالة ضاغطة تستدعي الانطلاق والتحرر، باعتبار أن كل فعل له رد فعل مساوٍ في القوة ومضاد في الاتجاه، فالطقس الحار يدفعك للبحر أو السفر، والجوّ الخانق في البيت يجعلك تطير إلى أماكن أكثر راحة حتى لو كان مقهى بائساً، هذا لا يعني أن الهروب مأمون دائماً وبلا خسائر، فبعض الهروب مكلف ومدمر أيضاً!

لكن ماذا عن الذين ينفصلون بأذهانهم وأرواحهم عن عوالمهم الحقيقية ليدخلوا في نفق الأفكار الماورائية والمعتقدات الغريبة، كالإيمان بالعوالم المتوازية، ووجود كائنات فضائية تملأ العالم، هم فقط من يراها ويتحدث معها، هذه الفكرة تستدعي فكرة أكثر لامعقولية من الناحية العلمية، وهي السفر عبر الزمن، سواء كان السفر للماضي أو للمستقبل.

غداً نكمل!

Email