كيف تفوز بجائزة نوبل؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقول يون فوسه، الكاتب والمسرحي الذي تمكن من اقتناص جائزة نوبل هذا العام عن مجمل أعماله المسرحية والشعرية: «أكتب بلغة لا يتكلمها سوى خمسمائة ألف شخص، وهي لغة أقليّة مكروهة؛ لأنها إجبارية في المدرسة، بالنسبة إليَّ، إنها صوت جدتي وأمي، إنها لغة نظيفة جداً، مثابرة، ولم تتأثر بالدعاية ولا بلغة الأعمال».

لقد بقي هذا الكاتب، ولعقود طويلة مجهولاً بالنسبة لقراء العربية، فلم تترجم له سوى روايتين أو ثلاث ربما، وحتى هذه الروايات لم تحظَ بمقرؤية جيدة بسبب ذائقتها المختلفة. لقد بقي (فوسه) محتفظاً بانتمائه لتلك اللغة التي يصفها بأنها برغم أنها مكروهة فهي «صوت جدته وأمه» ومع ذلك فقد ترجمت أعماله لـ 40 لغة حول العالم، ما يذكرنا بنجيب محفوظ الذي حمل هوية الحارة المصرية إلى العالم عبر لغته الخاصة.

يعيدنا (فوسه) إلى سؤال الهوية في الأدب وطريقة التلقي لدى القارئ وخاصة القارئ غير المعني بهذه اللغة وما تعبر عنه، لقد كان الرجل حريصاً على أن يكتب بلغته، التي هي صوت محيطه، والمجاز الوحيد لنقل ثقافته وبيئته وأفكاره للعالم دون أي شعور بالاغتراب أو الدونية إزاء هذه اللغة، متجاوزاً بوعي سؤال القبول والتلقي كما يفعل كل من يبرر لنفسه الهروب من حكايته وصوت آبائه وأجداده، لأن الحياة التي يندمج فيها (فوسه) هي حياته الواقعية وليست حياة سائلة ومستنسخة تشبه حياة كل العابرين، الذين عليه أن يكون مثلهم أو جزءاً منهم!!

تقبض اللغة على جذر السرد لتحكم توجيهه، ولتعبر عن البناء الفكري والثقافي والاجتماعي والأيدلوجي الذي ينتمي له الكاتب، إن اللغة أداة تفكير وأسلوب حياة، وليست مجموعة أصوات ورموز فقط، إنك وأنت تقرأ ليون فوسه تشعر فعلاً برجفة البرد وسكون الطبيعة ووقع الحياة المملة والمظلمة في الخارج، فهذه هي البيئة التي يعيش فيها، وهو ينقلها بصدق، وهو حين يكتب بلغته وعن أمكنته، فلأنه لا يريد أن يكون نسخة عن كاتب آخر يعيش في مكان لا يعنيه ويتحدث بلغة لا تشبهه، وأما القبول وعدم القبول فلا أظنه كان معنياً به كثيراً!

Email