احتكار لا مبرر له!

ت + ت - الحجم الطبيعي

قديماً قالت العرب «ثقف السيف» و«تثقيف الرمح». أي تسويته بطريقة تجعله حاداً وقوياً ومستقيماً، ومنه كلمة مثقف، أي قويم وفطن وملم، ومن هنا فالمثقف هو الإنسان صاحب المعرفة والاطلاع الواسع والبديهة الحاضرة والذهن المتوقد، لا ذلك الذي يؤلف كتباً في التاريخ والثقافة وعلم الاجتماع، وهو لا يعلم شيئاً عن ثقافة مجتمعات الجوار المحيطة به، أو تلك التي تشكل امتداده وعمقه.

والثقافة ليست في أن تقرأ لتشعر بأنك أفضل من الآخرين أو أن تقرأ لتعتبر نفسك فوق الجميع، الثقافة هي أنك كلما قرأت وعرفت أكثر ازداد يقينك بتواضع مخزونك المعرفي، وازداد إيمانك بأنك جزء متناغم ومكمل لجملة الحضارة الإنسانية العظيمة التي لا حدود لها.

كثيرون أولئك الذين يظنون أنهم أصحاب الحضارة الوحيدون على سطح الكوكب، والآخرون لا شيء، فتراه يحقر من مكانة شعوب ودول لها بصماتها الكبيرة في كل مجال: في العلم والتقنيات والسياسة والديمقراطية والزراعة وصناعة السينما والفنون والعمق الحضاري الممتد لآلاف السنين. إنه لمن الحماقة أن نحصر مكانة الدول في الرفاه المادي فقط، أو في ثقافة الطعام فقط أو أنواع من الرقص وأحياء تعج بالفقر والفقراء!

الخليج في لحظته التاريخية الراهنة يقدم دليلاً ساطعاً على قوة الإرادة السياسية ودور الرموز والقادة الكبار في تغيير مصائر شعوبهم وبلدانهم، لذلك فليس من الثقافة في شيء أن نحصر بلدان الخليج وأهلها في النفط والأبراج ومدن الحداثة ونقطع صلتهم بماضيهم البعيد أو القريب، فكلاهما تاريخ حقيقي وعميق ومؤثر في شخصية الإنسان الخليجي، هذا الإنسان الذي بنى مدن الحداثة في حقبة ما بعد النفط، كما بنى مدناً ذات تاريخ وعراقة ونضال ومقاومة قبل ذلك بقرون، لقد تحدى قسوة الواقع وشح الموارد وصعوبات بلا عدد، وأنتج مدنه وثقافته وشعره ومشروعه السياسي الكبير الذي لا ينكره إلا متعالٍ وجاهل.

لا شيء يبرر التعالي أو احتكار الحضارة، الذين يتعالون يشيحون بأبصارهم عن رؤية الحقيقة، إنه كالخوف، لا يمنع من الموت، لكنه يمنع من الحياة.

 

Email