لماذا نقرأ مارسيل بروست؟ 2-1

ت + ت - الحجم الطبيعي

دعوني أفشي لكم أمراً خاصاً ليس بتلك الأهمية إلا لي وحدي، أذكره لكم ليس من باب التباهي أو الثرثرة، ولكن لاحتياجي لحكاية أوظفها كمفتتح لمقال اليوم، أثير بها انتباهكم وأربطها بما سيليها من حديث: والأمر هو أنني منذ أسبوع انضممت إلى مجموعة من القراء الجادين الذين استقر قرارهم على الدخول في مغامرة قرائية فريدة من نوعها، وهي أن يبدؤوا بقراءة أطول رواية في تاريخ الأدب كله، إنها رواية الأديب الفرنسي مارسيل بروست «بحثاً عن الزمن المفقود» التي تتألف من 7 أجزاء تزيد على الـ 3000 صفحة!

هناك من يقوم بالمتابعة، وتحديد الصفحات المقرر قراءتها للمجموعة، وأظن أننا فيما لو التزمنا بما هو مقرر وواصلنا هذا الطريق الوعر لقراءة عمل يُحجم القراء بكل اللغات عن قراءته، لأسباب ذكرتها في مقال سابق، فإننا قد ننهي الرواية في قرابة 7 - 9 أشهر تقريباً.

وهنا قد يتبادر للذهن سؤال منطقي: ما الذي يدفعكم لقراءة هذه الرواية رغم تحدياتها، ورغم أنها من الروايات القديمة التي يعود نشرها للعام 1913؟ قد تكون الرغبة في التحدي والمغامرة أحد الأسباب لذلك، فبقدر ما تسمع عن صعوبتها، وعدم إقبال القراء حول العالم على الاقتراب منها، حتى من بين كبار المثقفين والأدباء، فإنهم محدودون أولئك الذين أتموا قراءتها، ويذكر أن الروائي المصري نجيب محفوظ أحد هؤلاء!

إن قراءة «بحثاً عن الزمن المفقود» تفتح باباً واسعاً للأسئلة حول جدوى قراءة الأدب الكلاسيكي خاصة، وحول الطريقة التي نقرأ بها الأدب بشكل عام، وإن أكثر ما يثير القلق والتساؤل هو ذلك التباهي غير المبرر عند البعض حول قراءة خمسة كتب كل أسبوع، وعشرين كتاباً كل شهر، ومائة كتاب في العام، والنتيجة لا أدري ماذا؟ لأنني وأنا أقرأ الجزء الأول من سباعية مارسيل بروست أيقنت أن هذه الرواية تحتاج لأكثر من 9 أشهر إذا كنا سنقرؤها بإخلاص، ورغبة في المعرفة، فنحن نقرأ لنعرف ماذا كتب بروست في 3000 صفحة، لا لنقفز مسافة 3000 صفحة في الفراغ!

Email